كانت احدى الشخصيات السياسية اللبنانية مدعوة الى المشاركة في ندوة مسائية. ولان الوقت كان متأخراً، دخل المدعو متأبطاً أوراقه باباً ملاصقاً لباب "المنتدى الثقافي" حيث تقام الندوة، ليجد نفسه فجأة وسط مجموعة من الفتيات الشقراوات وزجاجات الكحول. "دخلت الملهى الليلي الملاصق لنا"، قال له اصدقاؤه. هذا الحادث الذي أضفى في حينه جواً من المرح على الندوة السياسية الجافة، يضفي يومياً المرح على كل من يسمع سكان الحي وهم يتندرون به عوضاً عن الشكوى والتذمر اللذين ملوا منهما. ويشكل الموضوع المشكلة اليومية لسكان الحي الموازي المتفرع من شارع الحمرا الرئيسي في بيروت، حيث توجد سبعة ملاه ليلية في شارع لا يتجاوز طوله 200 متر. تقول اكرام 24 سنة: "بسبب هذه الملاهي لا أستطيع ان أتأخر خارج البيت الى ما بعد الساعة السابعة والنصف مساء على رغم ان عملي كممرضة يفرض عليّ احياناً العودة ليلاً، فأفضل عندها النوم عند أقاربي". وتشرح والدتها الوضع: "يتوافد رواد هذه الملاهي مع بدايات الغروب، وهم لا يقنعون بالبقاء داخل الملهى وانما يخرجون الى الشارع وسرعان ما تحتدم بينهم المشاجرات بسبب لعب الميسر ويبدأون باطلاق الكلام البذيء، فنضطر الى اغلاق الشبابيك والشرفات كي لا يسمع الاولاد شيئاً، ونبقى قابعين بين جدران اربعة كأننا في سجن حتى ساعات الصباح الاولى. وعلى رغم ذلك تخترق اصوات مشاحناتهم جدران البيت". لا تختلف مشكلة "ابو علي" كثيراً، فهو وان كان لا يخشى العودة ليلاً، لا يستطيع النوم بسبب الصراخ المستمر، الامر الذي يسبب له مشكلات كثيرة في عمله. وهي الشكوى نفسها التي يتقدم بها سكان الحي الملاصق الذين تبلغهم الاصوات فقط. وتضيف زوجته عندما نسأل عن وضع الاولاد: "المشكلة ليست مع الفتيات فقط، حتى الشبان هناك خوف عليهم لان فتيات الملهى يخرجن الى الشارع لالتقاط الزبائن. اما الصغار فلا أعرف كيف سيكبرون وقد تعودت آذانهم وعيونهم هذه الشتائم والمناظر". اصحاب المحلات في الحي يعانون خلفيات المشكلة، فهم يغلقون محالهم عندما يبدأ اصحاب الملاهي بفتحها، لكنهم يعودون صباحاً ليجدوا النفايات متراكمة امام المحلات، اضافة الى الزجاج المكسور بسبب التراشق بالقناني والاحواض الزراعية المهشّمة من جراء الجلوس المستمر عليها ليلاً، كأن الملاهي انتقلت الى الشارع. وتتدخل احدى السيدات التي تسكن طبقة ارضية: "ليس فقط اصحاب المحلات. انا ايضاً وضعي صعب فزجاج الشرفات عندي عرضة دائمة للكسر...". وفي الشارع نفسه مكتب لتعليم الكومبيوتر، يقول مديره انه يعاني المشكلة خلال الدوام الليلي "نضطر الى اغلاق باب المكتب ليلاً. اما الطلاب فيدخلون ويخرجون خلسة". وسألنا "ألم تحاولوا حل المشكلة"؟ فرد احدهم "وقع سكان الحي عريضة وتقدموا بها الى مخفر المنطقة مخفر حبيش ولكن لم يحرك احد ساكناً على رغم ان القانون لا يسمح بذلك". القانون اللبناني، وان كان يسمح بوجود الملاهي، وضع شروطاً منها ان تكون المداخل غير ظاهرة علناً. وهذا ما تنفيه الابواب الكبيرة التي دهنت بالاحمر لزيادة الاشارة اليها، ثم عدم فتح الملهى قبل التاسعة مساء واقتصار النشاط على داخله. ويقنع اهل الحي ولو بتحقيق الشرط الاخير. "مرة واحدة استطعنا النوم" تقول أم علي "وكانت حين اتصل جارنا باحدى دوريات الدرك المتجولة فحضرت وأدبت اصحاب الملهى. ولكن عاد الوضع الى ما كان عليه في اليوم التالي". ويضيف احد اصحاب المحلات الذي رفض ذكر اسمه خوفاً من انتقام اصحاب الملاهي "تحدثنا مع هؤلاء ومعظمهم أجانب خصوصاً من الجنسية المصرية وكان جوابهم: روحوا بلّطوا البحر. وكأنهم عرفوا بعدم اهتمام المخفر بشكوانا". الحل الوحيد الذي يجده سكان الحي، ويبدو مستحيلاً، هو الانتقال الى مكان آخر. ويقول احدهم "أنا مستعد للسكن في قبو على ان يكبر اطفالي وسط مجموعة من السكارى وفتيات الليل.." ولكن أين يجد القبو؟