قرار محكمة العدل الأردنية العليا اعتبار قانون المطبوعات والنشر غير دستوري، يعبّد الطريق الى خطى اعلامية تالية. فهناك، من غير شكّ، صحف اسبوعية ستصدر او تعاود الصدور، لم يكن يتيح لها القانون المذكور ذلك. ويُفترض ايضاً بالحكومة ان تبادر فتبيع حصتها في الصحف اليومية، بما يشمل منابر اساسية كپ"الدستور" و"الرأي"، عملاً بالرجوع الى قانون 1993. ولكن رغم ما يمثله القرار من ايجابيات على جبهة الاعلام والتعبير، فإنه سياسي ايضاً بالمعنى المباشر للكلمة. فما تمّ التراجع عنه هو ما ارتبط تحديداً بحكومة عبدالسلام المجالي، ارتباطه بمقاطعة "جبهة العمل الاسلامي" الانتخابات. وفي هذا المعنى يحمل التراجع انتكاسة ملحوظة للحكومة الحالية ربما شكّلت بداية نهايتها، بقدر ما يحمل اعترافاً متأخراً ببعض ما انجزته حكومة عبدالكريم الكباريتي السابقة. فإذا اضفنا مسألتي الفساد وتراجع العلاقات الأردنية - الاسرائيلية في ظل نتانياهو، بدت انتكاسة المجالي اكبر حجماً، فيما بدا انصاف محاولة الكباريتي أكثر إلحاحاً ومعنى. ويبقى اهم من كل ما عداه موضوع الديموقراطية في الاردن، أنُظِر اليه من زاوية السياسة البحتة أم من زاوية الإعلام. فما صدر عن محكمة العدل يوحي بأن آليات الديموقراطية تعمل في عمّان، الا ان هذا يبقى مصحوباً بعدد من التحفظات الضرورية. فنحن امام محكمة فعلية، لكننا لسنا طبعاً وكما قد يبالغ بعض المبالغين امام محكمة اميركية عليا او ظاهرة قضاة ايطاليين. والحال ان ما جرى قبل أيام ثلاثة هو تصحيحٌ لخطأ كان ينبغي ألا يحدث أصلاً. ولا نغالي اذا قلنا ان ما كان ينبغي حدوثه هو تطوير الوضع المعمول به بموجب قانون 1993 في اتجاه آخر أكثر ديموقراطية. أما التصحيح نفسه فأغلب الظن انه كان ليستحيل لو كان هناك تمسّك بقانون المطبوعات والنشر أو ربما بالحكومة التي ارتبط اسمها بهذا القانون!؟. والطموح، في المقابل، يتعدى النقلة الايجابية والمهمة التي مثّلها قرار محكمة العدل، الى يومٍ تعمل فيه المحاكم بالاستقلال النهائي والكامل عن رغبات النافذين وعن اعتبارات السياسة وتوازنات السلطة. فلا بدّ، ذات يوم، من الوصول الى فكّ الارتباط بين "الصلاحيات" المعطاة لحكومة من الحكومات، او بين تقدير وضع سياسي ما ما دام الأمر لم يبلغ مستوى الحرب، وبين قانون او قرار دستوري بعينه. أبعد من ذلك، وتلافياً لتكرار ما حصل، يُفترض بالبيئة المحبّة للسلام في الأردن وغير الأردن، تغيير طبيعة علاقتها بالاعلام والثقافة عموماً. فحين تتعارض رموز هذين الاخيرين مع التوجه السلمي، لا يكون المخرج بتعطيل النشاط المعارض او التضييق عليه، بل بمبارزته على الحلبة نفسها. وهذا يستدعي تورطاً في جبهة الثقافة والأفكار، يمليه موقف غير مترفّع وغير كابح في آن. مثل هذا التورّط يضفي النضالية والمسؤولية لا وعود الأرباح وحدها على الدعوة السلمية وأصحابها، ويردّ على بذاءات نتانياهو اذ يبتزّ السلام بنقص الديموقراطية العربية، فيما يردّ في الوقت نفسه على بذاءات بعض الصحافيين والكتّاب العرب من سادة التبشير بالكراهية.