ظل مشهد الحراك الإصلاحي في الأردن يراوح مكانه منذ بدأ في نهاية عام 2010 بمسيرات واعتصامات تطالب بالإصلاح، ولا تجد صدى غير حديث رسمي خجول عن نيات لإجراء إصلاحات أخذت طابعاً ماراثونياً. وعلى رغم أن الأردن بقي بعيداً من الدم الذي سال في شوارع الدول العربية التي شهدت مطالبات مماثلة، إلا أن انتقادات حادة واجهت تلك الإجراءات من قبل الحراك الشبابي والشعبي. والواقع إن المشهد على الساحة الأردنية تغير الآن، بعد اكثر من عام على انطلاق الحراك، فبدأ يأخذ طابع العنف المتبادل شيئاً فشيئاً منذ «موقعة الزرقاء»، كما يصفها السلفيون صيف العام الماضي، واتهمتهم السلطات خلالها بافتعال العنف في مسيرة نظموها في مدينة الزرقاء وأوقعت اكثر من 80 جريحاً من المتظاهرين ورجال الأمن. وأخذ العنف على الساحة الأردنية أشكالاً وألواناً مختلفة دفع ثمنها الشباب الناشطون وتمثل بحالات طعن كما حدث خلال الأسبوعين الماضيين مع المدونة والناشطة إيناس مسلم في عمان والناشط في الحراك الشعبي في مدينة الكرك إبراهيم الضمور، أو قذف الناشطين الذين يشاركون في المسيرات بالحجارة وتحطيم سياراتهم، وبخاصة في عمان، إذ يعمد «مجهولون» إلى تحطيم سيارة الناشط فور أن يركنها للتوجه إلى المسيرة. ولم يكن مستبعداً تطور الأحداث في الأردن إلى هذا الحد، فالتعديلات الدستورية التي جرت نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي والتي وصفتها الأجهزة الرسمية ب «التاريخية» جاءت «مخيبة للآمال»، وفق عدد من الناشطين الذين يرونها شكلية ولم تبحث في العمق. وأجمعت مختلف التيارات الشعبية والشبابية على أن التعديلات «لم تكن جوهرية» ولم ترق لمطالب الشارع الذي استمر على مدى 7 اشهر سبقت التعديلات ينادي بحكومة منتخبة وملكية دستورية بالدرجة الأولى قبل أن تتشعب المطالب وتكثر. وفي قراءة متأنية للتعديلات الدستورية يتضح أنها لم تحد من صلاحيات الملك السياسية في ما يتعلق بتعيين رئيس الوزراء وإقالته، وهو ما سارعت القوى المعارضة وبالتحديد «جبهة العمل الإسلامي» (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين) إلى الإشارة إليه. ووفرت التعديلات الدستورية حصانة للبرلمان من الحل، ونصت على إنشاء محكمة دستورية وهيئة مستقلة للانتخابات واستقلال السلطة القضائية وقلصت صلاحيات محكمة أمن الدولة. غير أن الحراكات وصفت التعديل على المادة 58 ب «المهم»، إذ تضمن تأسيس محكمة دستورية مكونة من 9 قضاة يعين الملك رئيسها، وتكون صلاحياتها ومهماتها مراقبة شرعية القوانين والتعليمات وتكون قراراتها نهائية وتصدر باسم الملك. ويمكن رد «عدم جوهرية» التعديلات إلى دواعي الخوف على الاستقرار في الأردن الناجم عن التركيبة السكانية للمواطنين، وهم خليط من شرق أردنيين وأردنيين من أصول فلسطينية، ومن إمكان زعزعته باستحضار «أيلول اسود» آخر، وأهم مثال على ذلك أحداث دوار الداخلية التي اتهم المعتصمون فيها بأنهم من أصول فلسطينية، على رغم أن غالبيتهم في الحقيقة من شرق الأردن وهو ما اجبرهم على التراجع. واعتبر رئيس «الجبهة الوطنية للإصلاح» المعارضة رئيس الوزراء الأردني السابق أحمد عبيدات أن قوانين الانتخابات والأحزاب السياسية والبلديات والمطبوعات والهيئة المستقلة للانتخابات ما زالت تشكل مصدراً للتوتر والاحتقان الشعبي، مؤكداً ضرورة إقرارها بطريقة مناسبة وملائمة لعملية التحول الديموقراطي. وكان «المركز الوطني لحقوق الإنسان» انتقد، ضمناً، البيان الذي أصدرته مديرية الأمن العام بخصوص قضية طعن الطالبة الناشطة في الحراك الشبابي إيناس مسلم وطالب بصون حقها هي والناشط إبراهيم الضمور، الذي طعن في الكرك، في السلامة الجسدية والحماية من التشهير والترهيب. وحض المركز، وهو هيئة حقوقية مرتبطة بالحكومة، الأجهزة الأمنية المختصة على كشف ملابسات حادثتي طعن كلا الشابين “وصولاً إلى الحقيقة الكاملة”، مشيراً إلى أنه ينتظر التحقيقات النهائية في القضيتين، وأنه سيستمر في متابعتهما إلى ذلك الحين. وكان المكتب الإعلامي في مديرية الأمن العام أصدر بياناً حيال قضية الطالبة مسلم، مستنداً فيه إلى التحقيقات “الأولية” وشكك فيها برواية الطالبة. وتضمن البيان عبارات وجملاً تقود إلى إساءة الظن بالفتاة وتشكك في سلوكها، كما أقحمت إشارة إلى التحفظ عن قطعة حشيش، من دون التوضيح ما إذا كانت وجدت في حوزتها أو إذا كانت لها علاقة بها.