ليس تدخلاً في الشؤون الداخلية للكويت ان يجد المثقف العربي نفسه معنياً بصخب يرتفع حيناً ويخفت حيناً آخر تجاه هيئات النشر، وأبرزها المجلس الوطني للثقافة، فهذه أصدرت مجلة "العربي" كما الدوريات الثقافية الأشهر والأكثر انتشاراً في العالم العربي في السنوات الثلاثين الأخيرة: "من المسرح العالمي"، "عالم المعرفة" و"الثقافة العالمية". وباصدارها أحلت اسم الكويت في كل بيت عربي، وكان القراء أول من تعاطف مع الكويت لدى اجتياحها، وهو تعاطف استثنائي في الجو الشعبوي لجماهير عربية مأخوذة بخطابات التعصب والتحامل وبالبحث عن انتصارات وهمية تعوض مناخ الهزيمة العام. وليس مردّ التقدير العربي للنشر الثقافي الكويتي السعر المخفض للدوريات، على ما في ذلك من أهمية، بل كون هذا النشر يقدم المعارف الفكرية والنصوص الأدبية بطريقة ليبرالية، فلا يستهدف زرع ايديولوجية معينة كما حال ناشرين عرب كثر رسميين وغير رسميين، فالمائدة المعرفية الكويتية قدمت أصنافاً عربية وأجنبية متنوعة لم تدفع قراءها الى زوايا مظلمة ولا الى خنادق قتال، وتركتهم أمام نوافذ مشرّعة على آفاق متعددة يختارون ما يشاؤون. ليس تدخلاً في الشؤون الداخلية للكويت ان يهتم المثقف العربي بحرية النشر وحرية تبادل الكتاب بما لا يؤذي المقدس الديني. وأن يقلق المثقف العربي للتحامل على هيئات النشر الكويتية وتراثها الغني المنفتح، وهو تحامل يتستر بواقعة عرض كتب غير كويتية جرى سحبها لاحقاً من التداول. والكويت التي يعاني مجتمعها أسئلة عميقة في أعقاب الغزو والتحرير، تحتاج الى المحافظة على صورتها الزاهية كنقطة اشعاع ثقافي وأن تنشط المؤسسات الراعية لهذه الصورة، فلا ينفع تطرفٌ ولا كلامُ حق يراد به باطل ولا جنوحٌ الى زمن مضى وانقضى ولا اصطناعُ حياة تغريبية. صخبٌ في الكويت يعلو حيناً ويخفت أحياناً ويدنا على القلب لتبقى الثوابت، فقد علمتنا التجارب ان الصخب يحمي الضياع والتجهيل وأن الهمس يسمح للحقيقة بالبروز، ومن تجليات الحقيقة نشرٌ كويتيّ لا تأسره ايديولوجيا ولا ايديولوجيون.