استصدار بطاقة ائتمان اصلية في كندا "ليس بالأمر الصعب" باعتراف مؤسسة موثوق فيها مثل اتحاد المصرفيين الكندي، لكن الحصول على بطاقة مزورة "اقل صعوبة" حسبما اكدت الشرطة الكندية بعد الكشف عن واحدة من اخطر عمليات الاحتيال التي تكبد المصارف المحلية خسائر بلغت العام الماضي نحو 60 مليون دولار اميركي. ويشير اتحاد المصرفيين الى ان هناك 600 مؤسسة متخصصة تصدر أنواعاً مختلفة من بطاقتي الائتمان "فيزا" و"ماستركارد" في كندا من بينها ثمانية مصارف رئيسية ويبلغ عدد بطاقات الائتمان قيد التداول نحو 30.3 مليون بطاقة، اي ما متوسطه 1.3 بطاقة لكل مواطن بغض النظر عن عمره وحالته المادية وحتى قدرته على احتمال نسب الفائدة العالية المرتبطة بهذا النوع الرائج من المديونية الفردية. ولا يحتاج رواج بطاقات الائتمان الى دلالة اكثر من الاشارة الى ان متوسط الزيادة السنوية في عدد البطاقات المطروحة في السوق المحلية في العامين الماضيين يقل قليلاً عن 5 في المئة اي ما يعادل نحو 1.5 مليون بطاقة جديدة سنوياً، لكن متوسط نسبة الزيادة السنوية في اجمالي انفاق حاملي البطاقات في الفترة المذكورة تناهز 11 في المئة. وأفادت مجموعة المصارف الكندية الناشطة في اصدار بطاقات الائتمان ان اجمالي انفاق حاملي البطاقات في كندا بلغ العام الماضي نحو 60 بليون دولار واعترفت في الوقت نفسه بأن خسائرها من عمليات الاحتيال المرتبطة ببطاقات الائتمان بلغت حينذاك 62 مليون دولار مسجلة زيادة بنسبة 15 في المئة عن العام السابق. ويعني ذلك ان بطاقات الائتمان تجد رواجاً مطرداً لدى المستهلك الكندي وتثير في المقابل شهية هواة التزوير الذين تجاوزوا المصارف فيما حققوه من نجاح خصوصاً في مجال تزوير بطاقات الائتمان بأسلوب متطور بحيث يصعب اكتشافها حتى من قبل المصارف المعنية على رغم ما يتوافر لها من احدث تقنيات الأمن والرقابة. وكشفت الشرطة الكندية في تورونتو عن اعتقال 17 فرداً من افراد عصابة محلية احترفت تزوير بطاقات الائتمان وركزت نشاطها في كندا والولايات المتحدة لكنها تمكنت ايضاً من استخدام البطاقات المزورة في عمليات شراء مشروعة من حيث المبدأ في دول عدة من بينها "السعودية والامارات العربية المتحدة". وقال مسؤولون من قسم مكافحة الجرائم التجارية في سلسلة مؤتمرات صحافية تناولت تزوير بطاقات الائتمان عقد آخرها الثلثاء الماضي ان المتهمين يتبعون "منظمات اجرامية" تعمل انطلاقاً من دول آسيوية لم يسموها وتنشط في تزوير العملتين الكندية والاميركية والشيكات والوثائق المصرفية الى جانب تزوير بطاقات الائتمان وطباعتها. وجاء اعتقال افراد العصابة المحلية بعد عملية مراقبة وملاحقة في كندا والولايات المتحدة دامت 20 شهراً ونتج عنها، حسب مسؤول المكافحة، ضبط معدات للطباعة والتزوير وكميات كبيرة من بطاقات الائتمان والنقود المزيفة. وكشف جوانب مثيرة من الأسلوب الذي استخدمه افراد العصابة في تزوير بطاقات الائتمان، خصوصاً في احد مراكز نشاطها الرئيسية، تورونتو، وقال احد ضباط المكافحة: "ان عملية التزوير تبدأ غالباً في الحجرات الخلفية لمرافق خدمية عامة مثل المطاعم وتقوم على ضمان تواطؤ النادل المسؤول عن حساب الطاولات واستغلال حسن النية لدى المرتادين الذين يفضلون تسديد حساباتهم اليكترونياً". وتتلخص مهمة النادل المتواطئ في التالي: فهو حين يتسلم بطاقة الائتمان من الزبون يمررها على القارئ الالكتروني في عملية تدقيق روتينية وحين تتأكد له صلاحية البطاقة يمررها ثانية على قارئ الكتروني آخر بحجم علبة السجائر قادر على نسخ وحفظ الرمز السري المختزن على الشريط الممغنط للبطاقة المستهدفة ولا يبقى عليه بعد ذلك سوى ايصال الغنيمة الى العصابة. وأعلن بيان رسمي اصدرته شرطة المكافحة في وقت لاحق التعرف على عدد من المرافق الخدمية التي شاركت في تسهيل عمل عصابة التزوير في تورونتو. وأشار الى ان المتواطئين في المرافق المشبوهة دأبوا على بيع الرموز السرية المسروقة عن طريق وسطاء لدى العصابة المحلية والمنظمات الاجرامية في آسيا مقابل مبلغ يراوح بين 15 و35 دولاراً للرمز. وكشف الرقيب جيمسون ان الوسطاء استخدموا احدث التقنيات المتوافرة في حقل الاتصالات لنقل الرموز "المغتصبة" الى العصابة المحلية او عصابات اخرى في الخارج وتمكنوا على سبيل المثال من ايصال بعض الرموز عبر الهاتف الى طوكيو حيث قام متواطئون هناك بتحميل الرمز الواحد على بطاقة او اكثر ثم بيع البطاقات المزورة للراغبين في القيام بجولات شراء في الطرف الآخر من العالم على حساب ضحايا ابرياء في كندا. وامتنعت شرطة المكافحة الكندية عن اعطاء معلومات حول مصير المتواطئين في الخارج لكنها أكدت ان العصابة المحلية وجدت سوقاً رائجة لتصريف بطاقاتها المزورة وتمكنت من خداع "آلاف الضحايا" وبلغت غنيمتها "ملايين الدولارات" التي حصلت عليها من بيع بطاقاتها المزورة بمبلغ يصل الى 350 دولاراً للبطاقة الواحدة. وقال جيمسون، الذي اشرف على التحقيقات في تورونتو، ان العصابة المحلية كانت تختار مسارح عملها بعناية وهي منظمة تنظيماً دقيقاً وتقوم بطباعة البطاقات المزورة محلياً وتجهيزها بحيث تستطيع تلبية طلبات زبائنها خلال ساعة واحدة. واستهدفت العصابة المحلية مدينة ووترداون القريبة من تورونتو في ايلول سبتمبر الماضي وتمكنت من اختلاس الرموز السرية لعدد يراوح بين 50 و75 بطاقة ائتمان اصلية، وكشفت التحقيقات ان الضحايا اعتادوا جميعاً التردد على احد المرافق الخدمية العامة هناك، وتبين لاحقاً صحة هذا الاستنتاج حين توقفت عمليات التزوير حال انكشاف امر المرفق المذكور. احذية من السعودية لكن توقف عمليات التزوير في ووترداون لم ينقذ اصحاب بطاقات الائتمان "المغتصبة" من تلقي كشوفات متخمة من بينها فاتورة تلقتها احدى الضحايا التي يفترض انها اشترت عدداً من "الصحون الفضائية" في الامارات العربية المتحدة بسعر يناهز الفي دولار للصحن الواحد، كما تلقت سيدة اخرى فاتورة مماثلة عن شراء احذية في السعودية بمبلغ يعادل أربعة آلاف دولار. وقال الرقيب بيرول مسؤول مكافحة الجرائم الاقتصادية في المدينة، ان اجمالي فواتير المشتريات بلغ زهاء 200 الف دولار وهو مبلغ اضطرت ثلاثة من المصارف الكندية الكبيرة الى تسديده كاملاً بعدما فشلت اجهزة الرقابة والتدقيق لديها في اكتشاف واقعة التزوير في الوقت المناسب وقامت بالتالي باجازة هذه المشتريات الكترونياً. 77 الف بطاقة مزورة وقدر اتحاد المصرفيين الكندي عدد بطاقات الائتمان التي وقعت ضحية عمليات الاحتيال والتزوير في السوق المحلية العام الماضي بنحو 77 الف بطاقة وهو يعتقد مع ذلك ان الدوائر المصرفية المختصة باتت قادرة على اكتشاف الاتجاهات الجديدة في عمليات الاحتيال اسرع مما كان عليه الحال في السابق. ولفت بول فاسيول مدير الامن لدى الاتحاد المذكور الى ان المصارف والمؤسسات الناشطة في اصدار بطاقات الائتمان قادرة على وضع حد لعمليات التزوير والاحتيال ويتوافر لها كم كبير من الوسائل مثل استخدام القارئات الالكترونية للبصمة والصوت وحتى شبكية العين لكنها تجد نفسها مضطرة لايجاد توازن بين تشديد الاجراءات الأمنية وراحة المستهلك. وكحل وسط وشبه حتمي يعتقد مسؤولون في عدد من المصارف الكندية الكبيرة التي تملك وحدات متخصصة في اصدار بطاقات الائتمان ان الخطوة التالية ستأتي في شكل رقاقة قادرة على اختزان الرمز السري بتقنية يستحيل نسخها.