لا يستطيع النظام العراقي توجيه مثل هذا النوع من الضربات الى الأردن لإثبات انه لا يزال قادراً على لعب دور تخريبي اقليمياً، ذلك ان الاساءة الى الأردن لا تقود سوى الى شيء واحد هو تأكيد درجة الافلاس التي وصل اليها هذا النظام. فبدل ان يسأل النظام نفسه لماذا فر حسين كامل الى الأردن ومن وراء ظاهرة حسين كامل ومن انتج هذا النوع من القياديين، اذ به ينتقم من الأردن ولو بعد وقت لاستضافته الرجل وتأمين حماية لابنتي الرئيس العراقي! يلعب النظام العراقي حالياً احدى آخر أوراقه لإظهار انه لا يزال موجوداً وانه قادر على التخريب في بلد يعتبر الاستقرار فيه احد مرتكزات الاستقرار في المنطقة. فإذا كانت العملية الاخيرة في عمان تستهدف تأكيد ان النظام العراقي لا يزال قادراً على الانتقام، فإنه يوجه عملياً الرسالة في اتجاه خاطئ نظراً الى ان العالم المتمدن يريد من النظام ان يمارس قدرته على المساعدة في رفع العذابات عن الشعب العراقي بدل قتل مزيد من العراقيين. والجريمة الاخيرة تدل على ان هذا النظام لم يتعلم شيئاً من تجارب الماضي وانه لا يمكن ان يتعلم وان الرهان على اعادة تأهيله ليس في محله. في الواقع، دلت الجريمة والحركة المسرحية التي استهدفت التغطية عليها عبر اطلاق سجناء أردنيين بواسطة شخص معارض وضعه الرئيس صدام حسين في موضع مرجعيته في الأردن، على ان النظام العراقي اتخذ قراراً بفتح معركة مع جاره الذي سعى الى نصرته في احلك الظروف ولم يتردد حتى في السعي الى ايجاد مخرج له بعد ارتكابه جريمة احتلال الكويت وتشريد شعبها. فهل ان فتح مواجهة مع الأردن هو بديل من القدرة على مواجهة اميركا، ام ان الاساءة الى الأردن خدمة اخرى يقدمها النظام العراقي الى اميركا والى كل من يعمل حالياً من اجل تأكيد النظرية القائلة ان المشكلة الاساسية في الشرق الأوسط لا تكمن في حال عدم الاستقرار التي اوجدها بنيامين نتانياهو بعملة الدؤوب على ضرب عملية السلام، بل في تصرفات نظام مثل النظام العراقي همه الأول زعزعة الاستقرار في المنطقة. افلس النظام العراقي، وهو مفلس اصلاً لانه غير شرعي، الى درجة انه لم يعد يجد مكاناً ينفس فيه عن احقاده غير الأردن، والاكيد ان التعاطي مع الأردن بهذه الطريقة لا يعني سوى اضطرار العرب المتعاطفين مع النظام العراقي والذين يحملون الولاياتالمتحدة جزءاً من مسؤولية العذابات التي يتعرض اليها الشعب العراقي، الى اعادة النظر في مواقفهم وحساباتهم والوصول الى نتيجة وحيدة هي ان لا أمل في النظام، وان ما يتعرض له العراقيون مسؤولية النظام أولاً وأخيراً وان لا سبيل لوضع حد للمأساة العراقية الا بازاحة النظام. هذه النتيجة وصل اليها كثيرون في الماضي، وكان ثمة مجال للرد عليهم بأن النظام ليس وحده الذي يتحمل المسؤولية وان لا بد من فتح حوار معه، اقله من اجل العراقيين. ولكن يتبين بعد الذي حصل في الايام الماضية، ان النظام لا يعتبر نفسه مسؤولاً عن تخفيف عذابات الشعب بقدر ما ان همه محصور في كيفية الانتقام منه والاجهاز عليه في غياب اي شرعية له. سيصفق الداعون الى ابقاء الحصار على العراق طويلاً للعمل "البطولي" الاخير للنظام، وذلك رغم عدم وجود ادلة تؤكد مئة في المئة انه ارتكب الجريمة الاخيرة. لكن الاكيد ان الذي حصل يثبت ان لدى هذا النظام قدرة كبيرة على عمل كل ما هو مطلوب منه كي لا يأتي يوم يزول فيه الحصار عن العراق... قبل القضاء على آخر عراقي، وعندما لا يجد النظام من يقتل العراقيين نيابة عنه يتولى ذلك بنفسه. انه الطريق الوحيد الذي يمتلكه لتثبيت شرعيته بعدما فقد كل سبب من اسباب وجوده