حين تولى عبدالله الثاني ابن الحسين عرش الأردن في السابع من شباط (فبراير) 1999 كان المشهد مختلفاً. كان اسم الرئيس الأميركي بيل كلينتون. واسمه اليوم باراك أوباما بعد مرور عاصف لجورج بوش الابن في ولايتين باهظتين لأميركا والعالم. كان اسم الرئيس العراقي صدام حسين. واسمه اليوم جلال طالباني. كان الانتقال مكلفاً ومؤلماً للعراق والمنطقة. ولم تغب عن الذاكرة بعد صورة اقتلاع تمثال صدام وصورة اعتقاله وصورة إعدامه. وكان اسم الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بشرعيته الكاملة وهالته وكوفيته. واسم الرئيس اليوم محمود عباس. والمشهد الفلسطيني الحالي محبط ومخيف. فالانقسام الدموي العميق يضاعف مشاعر الإحباط لدى الفلسطينيين، خصوصاً ان وحش الاستيطان لم يرتدع وتهديداته للقدس والأقصى تتصاعد. ولا يكتمل المشهد من دون الإشارة الى ان طائرة ملك الأردن كانت في الأجواء متجهة الى اميركا لحظة وقوع «غزوتي نيويوركوواشنطن» وما تبعهما من خروج اميركا في حملة تأديب بدأت بأفغانستان ثم تضمنت حرباً غير مقنعة في العراق. لم يتمكن ملك الأردن، ومعه عدد من القادة العرب، من تفادي الحرب الأميركية في العراق. لا نظام صدام ساعد. ولا إدارة بوش تراجعت. واندلع الحريق. وها هو الملك يقول: «لم يكن سهلاً على اي عربي ان يرى جيوشاً اجنبية في بغداد». كانت المشاهد تضخ التوتر والغضب في الشارع الأردني. عراق محتل، وياسر عرفات محاصر. وعالم عربي ضائع ومنقسم. وبدا الزلزال العراقي اكبر من قدرة العرب على احتوائه أو احتماله. في تشرين الثاني (نوفمبر) 2006 فاضت نار الإرهاب عن حدود العراق. ضرب الإرهاب فنادق في عمان واستهدفت إحدى هجماته عرساً. وحمل الهجوم توقيع اردني اسمه ابو مصعب الزرقاوي الذي قاتل في افغانستان ثم انتقل الى العراق وبايع اسامة بن لادن. اتخذت الأجهزة الأمنية الأردنية قراراً صارماً بالرد. ساهمت في الإيقاع بالزرقاوي وجلبت مساعده زياد الكربولي من الخارج ليحاكم في الأردن. وسيؤكد الملك عبدالله الثاني هذه المعلومات. ورث عبدالله الثاني عن والده قناعة مفادها ان استقرار الأردن مرهون بعلاقة الملك بشعبه من جهة وبحركة دولية وإقليمية دائمة تضمن استبعاد اي حلول على حساب الأردن أو استقراره. وعلى مدار عقد تمكن الملك من إدارة الاستقرار الأردني وتجنيب بلاده انعكاسات الحرائق المجاورة. علاقة قوية مع الولاياتالمتحدة على رغم اختلاف وجهات النظر في بعض الملفات. وإصرار على متابعة الحوار على رغم خيبات أحياناً من المواقف الأميركية خصوصاً في الموضوع الفلسطيني. ورث الملك ايضاً «سلاماً بارداً ويزداد برودة» مع اسرائيل. وها هو يقول ل «الحياة» محذراً: «القدس خط أحمر. وعلى الإسرائيليين ان يدركوا مكانة القدس عند العرب المسلمين والمسيحيين وعدم اللعب بالنار». وعلى الصعيد العربي رسخ الملك عبدالله الثاني علاقة عميقة مع السعودية وعلاقة تشاور دائم مع مصر وسجلت علاقته مع الرئيس بشار الأسد عودة الى الدفء عكسها الإفطار الرمضاني العائلي الأخير من دون ان يلغي ذلك اختلاف القراءات في بعض الملفات. خيار الاعتدال واضح في سياسة الملك وفي لهجته ايضاً. تسأله عن تزايد احجام الأدوار غير العربية في الإقليم، فيرد داعياً الى تحسين العلاقات العربية - العربية لضمان التوازن بين الأدوار. في تشرين الثاني 1999 أجريتُ أول حوار مع الملك عبدالله الثاني وتشرفتُ بلقائه مرات عدة خلال العقد الماضي. واتسع صدره دائماً لأسئلة «الحياة» سواء كانت للنشر أو لفهم خلفيات الأحداث. بعد عشرة أعوام سألت الملك عبدالله الثاني عن المسائل المطروحة حالياً وعن العقد الصاخب الذي انقضى، وسألت الملك عن الملك. وهنا نص الحلقة الأولى من الحوار: كيف تنظرون إلى تسلل الحوثيين إلى الأراضي السعودية والاشتباكات التي حدثت؟ - بالتأكيد نحن ندين في شكل كامل عملية التسلل إلى الأراضي السعودية وندعم بالمطلق حق الأشقاء السعوديين في الدفاع عن حدودهم وأراضيهم وسلامة مواطنيهم. ونحن واثقون من قدرة الأشقاء على حماية وطنهم والحفاظ على أمنهم واستقرارهم الذي يشكل ركيزة لأمن المنطقة كلها. هل تعتقدون بأن هناك استهدافاً لأمن السعودية واستقرارها من أحداث اليمن ومن القاعدة؟ - الحمد لله لا خوف على أمن السعودية واستقرارها وبقيادة أخي خادم الحرمين الشريفين. الأشقاء في السعودية قادرون على حماية وطنهم ويقومون بذلك. وبالتالي ليس هناك أي خوف على استقرار السعودية. وبالنسبة الى سؤالك حول القاعدة وأطراف يعملون ضد السعودية، فهم يعملون ضد السعودية وضد الأردن وضد سورية وضد لبنان وضد كل الدول العربية، والقاعدة لديها أجندات ضد كل الدول العربية. هل هنالك خوف من أن يتفكك اليمن أو ان تكون هناك خطة لتمزيقه كما حذّر وزير خارجيته؟ - هناك من يعمل بهذا الاتجاه، لكننا نعتقد بأن القيادة اليمنية ممسكة بزمام الأمور، وهناك تواصل مع أخي الرئيس علي عبدالله صالح، والحكومة اليمنية مسيطرة على الوضع، وهنالك دعم سياسي أردني وعربي للأشقاء ولاستقرار اليمن. هل أقلقكم قرار الرئيس محمود عباس عدم إعادة ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية، وهل تخشون من انهيار السلطة الوطنية الفلسطينية؟ - يتحمل أبو مازن مسؤوليات كبيرة، مسؤولية مستقبل شعبه، وعليه ضغوطات كبيرة ونعرف حجم التحديات التي واجهته وواجهناها جميعاً في ما يتعلق بموقف (رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين) نتنياهو، وعدم تحقيق ما عملنا له جميعاً للوصول إلى التقدم المطلوب في المفاوضات. الرئيس عباس شريك حقيقي في عملية السلام، ويفعل كل ما يستطيعه لخدمة مصالح شعبه، والوصول إلى حقوقه وإلى السلام على أساس حل الدولتين. وأتفهم مشاعر الرئيس عباس وما يشعر به من خيبة أمل. ونأمل أن يتم التوصّل إلى تقدم في جهود إطلاق المفاوضات على أسس صحيحة وأن يستمر الرئيس عباس في مسؤولياته، حتى نصل إلى الحل الذي يلبّي طموحات الشعب الفلسطيني. كلّنا نشعر بخيبة الأمل لعدم حدوث التقدم المطلوب. وأعتقد بأن إسرائيل لعبت بطريقة ما لإحراج أبو مازن وإحراج العرب حتى لا تنطلق المفاوضات وحتى يقول العرب لا نريد مفاوضات وبالتالي تتذرع بعدم وجود شريك. لقد حذرتُ أكثر من مرة من أنه إذا لم نتقدم نحو الحل، وإذا لم يكن هناك تحرك واضح ومقنع، فالمنطقة مفتوحة على احتمالات صعبة وخطرة. البقاء في الوضع الراهن غير مقبول، لأنه يعني أن المنطقة ستتجه نحو الهاوية. وإذا ضاعت هذه الفرصة ولم يتحقق السلام خلال عام أو عامين، فأعتقد أن جيلنا لن يحصل على السلام. وكيف يمكن استئناف التفاوض إذا لم يتحقق مطلب تجميد المستوطنات؟ - هناك إجماع دولي على عدم شرعية المستوطنات، وما تمثله من عقبة في وجه السلام. ونحن نطالب بوقفها في شكل كامل. والسؤال هو إذا كانت إسرائيل فعلاً ملتزمة بحل الدولتين، فما معنى بناء المستوطنات على أراضي الدولة الفلسطينية المقبلة.طالبنا بوقف المستوطنات وبدء مفاوضات فاعلة توصلنا إلى حل الدولتين وفي إطار إقليمي يحقق السلام الشامل، وليس عملية سلام جديدة لأن الناس يئست وملّت من عملية مفتوحة لا تحقق نتائج. لكن للأسف، لم يتحقق هذا حتى الآن، والولاياتالمتحدة لم تنجح في إلزام إسرائيل بتجميد الاستيطان. وبالتالي إذا أردنا أن نتقدم إلى الأمام، فيجب أن تكون هناك آلية تضمن أن المفاوضات ليست لتضييع الوقت. فإذا لم يتحقق مطلب تجميد الاستيطان لبدء المفاوضات، يجب أن تكون هناك ضمانات أميركية ودولية ملزمة ومكتوبة من خلال الأممالمتحدة تؤكد أن المفاوضات ستعالج كل قضايا الوضع النهائي، الحدود والقدس واللاجئون، وستؤدي إلى قيام دولة فلسطينية بحدود الأراضي الفلسطينيةالمحتلة في العام 1967 وعاصمتها القدسالشرقية، وفي إطار جدول زمني واضح. إذا حصل هذا، وإذا عرف الجميع نقطة البداية ونقطة النهاية والتزم بها، وإذا كانت هناك ثقة بأن المفاوضات لن تكون إضاعة للوقت وعملية جديدة لا نهاية لها، تغيّر إسرائيل خلالها الحقائق على الأرض في الضفة والقدس وتجعل قيام الدولة الفلسطينية أمراً مستحيلاً بسبب الاستيطان وغيره من الإجراءات، نكون قد تجاوزنا العقبات. أما إذا بقينا على الوضع الحالي، فستكون الفوضى والمزيد من التأزيم في انتظار الجميع. هل بحثتم الأمر مع الرئيس حسني مبارك؟ - هنالك تنسيق دائم ومستمر مع الرئيس مبارك، ونحن جميعاً كدول عربية نعمل معاً وأيضاً نعمل مع الأميركيين والأوروبيين من أجل تحقيق تقدم على الأرض. ويجب ألا نسمح بأن تحقق الحكومة الإسرائيلية ما تريده. خوف على المنطقة هل تتوقعون انتفاضة فلسطينية إذا ظل الأفق مسدوداً؟ - إذا لم يكن هنالك تقدم إلى الأمام، إذا لم يكن هنالك أفق، فعندي تخوف على فلسطين والمنطقة كلها. هل ترون فرصة جدية للسلام إذا أخذنا في الاعتبار تركيبة حكومة نتانياهو؟ - العالم كله يجمع على ضرورة تحقيق السلام وقيام الدولة الفلسطينية. الولاياتالمتحدة تقول إنها تعتبر قيام الدولة الفلسطينية مصلحة استراتيجية أميركية، أوروبا أيضاً ملتزمة بهذا الحل، العالم العربي كله يريد السلام، ومبادرة السلام العربية تعكس موقفاً عربياً موحداً لتحقيق السلام الشامل والدائم الذي يضمن الأمن والاستقرار الحقيقي في المنطقة، وما يبقى هو أن تقرر إسرائيل إن كانت تريد السلام فعلاً أم لا. فإذا كانت تريد السلام، فطريقه واضح وهو إنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة على التراب الوطني الفلسطيني في سياق إقليمي شامل يؤدي أيضاً إلى انسحاب إسرائيلي من الأراضي العربية السورية واللبنانية المحتلة، ويضمن لإسرائيل الأمن ويسمح لها ببناء علاقات طبيعية مع كل الدول العربية والإسلامية التي تؤيد المبادرة. الكرة في الملعب الإسرائيلي وعدم تحقيق السلام حتى الآن سببه المواقف الإسرائيلية. أعتقد أنه لا تزال هناك فرصة لتحقيق السلام، لكن النافذة تضيق مع كل يوم نخسره. هل تعتقدون بأن تحريك عملية السلام وفق المرجعيات الدولية ومبادرة السلام العربية ممكن في وقت قريب؟ - علينا أن نقر بأن جهود إحياء المفاوضات السلمية تواجه تحديات صعبة، وجميعنا يشعر بخيبة أمل لعدم تحقيق التقدم المطلوب. لكن لا نستطيع أن نتوقف عن العمل من أجل تحقيق السلام، لأن بديل السلام هو الفوضى والمزيد من الصراع والتوتر. والوضع الراهن لا يمكن احتماله لأنه يعني ببساطة الانزلاق نحو الهاوية. فالوقت ليس لمصلحتنا، ولا بدّ من أن يشعر الجميع بخطورة الوضع. وعلى إسرائيل أن تعرف أن الخطر عليها بقدر ما هو على الآخرين وأن تتحرك بجدية نحو السلام. وهذا يعني أن توقف بناء المستوطنات وكل الإجراءات الأحادية والسياسات التي تُفشل الجهود السلمية، وتدخل في مفاوضات فاعلة تبني على ما أنجز وتعالج كل قضايا الوضع النهائي ضمن جدول زمني وعلى أساس المرجعيات المعتمدة للوصول إلى حل الدولتين بأسرع وقت ممكن. وبالطبع هنالك ضرورة لأن تقوم الولاياتالمتحدة بدور قيادي في هذه المفاوضات. سلام بارد مرّ على معاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية 15 عاماً. كيف تصفون السلام مع إسرائيل؟ - قلت سابقاً وأقول الآن إنه سلام بارد ويزداد برودة. ولنتذكر أن اتفاقية السلام وقّعت في سياق العمل على تحقيق السلام الشامل والدائم وبعد توقيع اتفاقية أوسلو حيث كان الأمل كبيراً بالتوصل الى حل شامل للصراع. ومن دون هذا الحل، ومن دون إنصاف الشعب الفلسطيني، ستظل الأجواء مشحونة ولن يتحقق السلام بين الشعوب ولن يصل الى مداه. تردد أن طائرتكم كانت في الأجواء الأميركية أثناء وقوع هجمات 11 أيلول (سبتمبر). ماذا كان انطباعكم وماذا فعلتم؟ - صحيح، وقع هذا العمل الإرهابي ونحن متجهون في الطائرة نحو أميركا. كنا فوق المحيط الأطلسي. وبعدما حطت الطائرة رأينا بشاعة الجريمة وحجمها. وكان موقفنا إدانة هذا العمل الإرهابي والتحذير من تبعاته وانعكاساته. إلى أي حد غيرت تلك الهجمات في أولويات الرئيس بوش ونظرته إلى العرب والمنطقة؟ - لا أريد أن أتحدث بالنيابة عن الولاياتالمتحدة، لكن من وجهة نظري كان لهذه الهجمات تأثير كبير في أولويات الولاياتالمتحدة في المنطقة وفي العالم. وظهر، كما تعلم، تغيّر داخل المجتمع الأميركي في نظرته نحو العرب والمسلمين، وكان همّنا في ذلك الوقت إيضاح أن الإرهابيين، الذين قاموا بهذا العمل وبأعمال إرهابية أخرى بعد ذلك في دول أخرى عربية وإسلامية، بما فيها الأردن، لا يمثلون العرب ولا المسلمين ولا ديننا الحنيف وقيمه وتعاليمه السمحة، وبالتالي يجب ألا يُنظر إلى أكثر من بليون مسلم من خلال جرائم فئة ضالّة لا تمثلهم. وقلنا أيضاً إن الحرب على الإرهاب يجب ألا تنحصر في مطاردة الإرهابيين، بل أن تشمل معالجة كل أسباب التوتر وإنهاء الظلم. كيف تقوّمون تجربتكم في التعامل مع جورج بوش وإدارته؟ - علاقتنا مع الولاياتالمتحدة علاقة مؤسسية. كانت هناك اختلافات، خصوصاً حول أولوية القضية الفلسطينية وحول العراق. ونحن نوظف علاقتنا مع الولاياتالمتحدة من أجل خدمة مصالح الأردن والقضية الفلسطينية وتحقيق السلام. كان هناك تواصل مع الإدارة الأميركية في عهد بوش وكنا نعبّر دائماً عن مواقفنا وآرائنا بكل وضوح، وكما قلت اتفقنا في قضايا واختلفنا حول أخرى. أثار انتخاب باراك اوباما ارتياحكم. كيف تنظرون إلى تجربته حتى الآن؟ - استقبلنا انتخاب أوباما بارتياح وأمل في أن ينعكس انتخابه إيجاباً على المنطقة وسياسات الولاياتالمتحدة تجاهها. وكنت التقيت الرئيس اوباما أثناء حملته الانتخابية خلال زيارة قام بها إلى عمّان، وكان واضحاً مدى التزامه تحقيق السلام في المنطقة وحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. وأعطى بعد انتخابه وربما في اليوم الأول من توليه رئاسة الولاياتالمتحدة مؤشرات إيجابية جداً حول طبيعة العلاقة التي يريدها مع العالم العربي والإسلامي والتزامه تحقيق السلام في المنطقة. والواقع أن انتخاب الرئيس اوباما أعطى أملاً بحقبة جديدة لعلاقات الولاياتالمتحدة مع العالم العربي والإسلامي وحتى مع بقية دول العالم. ونحن نثمّن حرصه على بناء هذه العلاقات على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة ونتطلع الى الاستمرار بالعمل معه على تحقيق السلام الشامل وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة. ويجب أن يترجم هذا إلى نتائج ملموسة، لأن كل هذا الأمل سيتبخر إذا لم يتحقق ذلك. كنتم أول زعيم عربي استُقبل في واشنطن في عهد اوباما. كيف كان اللقاء؟ - كما تعلم كنت في هذه الزيارة أنقل الموقف العربي الملتزم بتحقيق السلام الشامل على أساس مبادرة السلام العربية. وكان اللقاء إيجابياً جداً وصريحاً ومباشراً. تحدثنا بشكل موسع حول ضرورة التحرك بشكل سريع وفاعل لتحقيق السلام وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وحول ضرورة أن يتم ذلك في سياق إقليمي يحقق السلام الشامل. شعرت بالارتياح لما سمعته من الرئيس اوباما وكان موقفه مشجعاً، والتحدي الآن هو الخروج من المأزق الذي وصلت إليه الجهود السلمية والتحرك بشكل جدي وسريع نحو الحل. هل يمكن القول إن التمزق الفلسطيني هو من نتائج غياب الرئيس ياسر عرفات، إضافة طبعاً إلى أسباب أخرى؟ - عرفات قاد الشعب الفلسطيني على مدى سنوات، ولا شك في أن غيابه ترك فراغاً كبيراً. وبغض النظر عن أسباب الانقسام الفلسطيني، فإن المتضرر الأكبر منه هو الشعب الفلسطيني، وقضيته وحقه في الحرية والاستقلال وبناء الدولة، لذلك يجب أن ينتهي وأن تتحقق المصالحة. هل بذل الأردن جهوداً لفك الحصار عن الرئيس ياسر عرفات ومع من؟ - نعم، قمنا بتحركات سياسية كبيرة، وبذلنا جهوداً ديبلوماسية مكثفة لرفع الحصار عن الرئيس عرفات رحمه الله، وأعلنّا في شكل واضح رفضنا محاصرته. بالإضافة إلى ذلك طبعاً، فعلنا كل ما استطعنا لمساعدته أثناء الحصار. وكانت إمكاناتنا تحت تصرف أطبائه، ووفرنا ما استطعنا من احتياجاته. علاقتكم بحركة «حماس» شهدت تشدداً ثم انفراجاً وعودة إلى فتح خطوط الاتصال. هل فوجئتم بقوة «حماس» وخياراتها الإقليمية؟ - القضية بالنسبة الينا ليست قضية «أي جهة أقوى مِن جهة». القضية هي كيف ننهي معاناة أشقائنا الفلسطينيين وما يتعرضون له من حرمان وحصار وظلم، وكيف نساعدهم في الحصول على حقوقهم المشروعة في الدولة والاستقلال ونحقق السلام. ولا شك في أن توحيد الموقف الفلسطيني وتجاوز حالة الانقسام أساسيان للوصول إلى هذه الحقوق. ما هي خطورة استمرار الانقسام الفلسطيني الحالي على جهود السلام؟ - كما قلت، أخي غسان، المتضرر الأكبر من حالة الانقسام هو الشعب الفلسطيني، وبالتالي لا بدّ من الاستمرار في العمل لتحقيق المصالحة. ونحن نثمّن ما يقوم به الأشقاء المصريون من جهود لتحقيق ذلك وندعم هذه الجهود. هل تتخوفون من انهيار السلطة الفلسطينية وأن تصبح «حماس» المحاور الوحيد باسم الفلسطينيين؟ - الخوف هو على الشعب الفلسطيني وحقوقه ومصالحه وعلى أمن المنطقة واستقرارها. القضية ليست قضية صراع على السلطة بقدر ما هي مسألة استعادة حقوق. ولا شك في أن السلطة الفلسطينية تتعرض لضغوطات كثيرة، أهمها الاحتلال وعدم تحقيق السلام. ويجب على المجتمع الدولي أن يدعم السلطة الوطنية الفلسطينية لتتمكن من خدمة الشعب الفلسطيني وتلبية طموحاته وتحقيق السلام، وفي شكل رئيسي من خلال الضغط على إسرائيل لإنهاء الاحتلال والحصار والمعاناة وقيام الدولة الفلسطينية. وهناك تيارات في إسرائيل تتذرع بما حصل في غزة لتبرير عدم الانسحاب من الضفة، والحقيقة أن الانسحاب من غزة كان قراراً إسرائيلياً في غياب التنسيق. أذكر أنني كنت غاضباً جداً حين حدث ذلك لأن الأمر بدا وكأن الهدف منه هو إيجاد مشكلة. وبعد ذلك تم عزل غزة، وكان طبيعياً أن تتفاقم الأمور. وسيحدث في الضفة ما حدث في غزة إذا اتبعت إسرائيل الإجراءات نفسها وجعلتها سجناً كبيراً. فما يريده الفلسطينيون هو ما يريده أي إنسان آخر وهو العيش بحرية وكرامة وأمان في دولته المستقلة. يريدون مدارس ومستشفيات وفرص عمل ومستقبلاً أفضل لأبنائهم. ما يجب أن يخشاه العالم، وما يجب أن تخشاه إسرائيل هو استمرار الوضع الراهن، لأن ذلك يعني الكارثة وليس السلام. هل فوجئتم بفشل قمة كامب ديفيد بين كلينتون وعرفات وباراك؟ - لا شك في أن ظروف المفاوضات كانت، كما تعلم، صعبة. وصحيح أنه كان هناك أمل في أن تنجح المفاوضات، إلا أنه كانت هناك أيضاً تحديات كبيرة ومعوقات، ودعني أقول إنه كانت هناك خيبة أمل كما هي الحال في كل مرّة لا نستطيع أن نتحرك فيها باتجاه حل الصراع عبر الحل الوحيد الذي نعتقد بأنه يمكن أن يدوم وهو حل الدولتين، الذي يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة على التراب الوطني الفلسطيني. تثبيت المقدسيين في مدينتهم ساهمت زيارة آرييل شارون إلى المسجد الأقصى في تفجير الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي شهدت ارتفاعاً في معدل العمليات الانتحارية. كيف تعايشتم مع هذه الأحداث وانعكاساتها؟ - ما قام به شارون كان عملاً استفزازياً أدى إلى تفجير الأوضاع وزيادة التوتر في المنطقة وإحباط الجهود لتحقيق السلام. وللأسف نشهد في هذه الأوقات إجراءات إسرائيلية أحادية في القدس تستهدف تغيير هوية المدينة وتهدد الأماكن المقدسة فيها، سواء عبر أعمال الحفريات أو هدم البيوت أو السياسات التي ترمي إلى تفريغ المدينة المقدسة من سكانها العرب المسيحيين والمسلمين. وهذه كلها إجراءات مرفوضة تقوّض فرص تحقيق السلام. وأكرر ما قلته في مقابلة مع صحيفة إسرائيلية قبل أسابيع وهو أن هذه إجراءات لا تهدد العلاقات الأردنية - الإسرائيلية فحسب، بل تهدد أيضاً بتفجير الأوضاع على امتداد العالم العربي والإسلامي. القدس خط أحمر. وعلى الإسرائيليين أن يدركوا مكانة القدس عند العرب المسلمين والمسيحيين وعدم اللعب بالنار. ونحن في الأردن سنستمر في عمل كل ما في استطاعتنا لحماية القدس، وهناك تحركات سياسية دائمة في عواصم صنع القرار ومع أطراف المجتمع الدولي والمنظمات الدولية للتحذير من مغبة الإجراءات الإسرائيلية في القدس وخطورتها ولمطالبة المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقفها. ونعمل أيضاً عبر إجراءات عملية على الأرض لتمكين المقدسيين وتثبيتهم في مدينتهم وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية التي يحمل الأردن مسؤولية رعايتها. تولى شارون رئاسة الحكومة الإسرائيلية في شباط (فبراير) 2001 ثم توقفت محادثات السلام. هل كان التعامل مع شارون صعباً في موضوع السلام؟ - بالطبع كانت لتوقف العملية السلمية والمحادثات نتائج سلبية كثيرة، وبالتأكيد سعينا بكل ما نستطيعه من أجل إعادة إطلاق العملية السلمية. كانت مرحلة صعبة. وبغض النظر عمن يجلس في موقع المسؤولية في إسرائيل، موقفنا ثابت وهو أنه لا بد من إنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة من أجل تحقيق السلام. وهذا موقف يعرفه الإسرائيليون وكلما كان هناك رفض وتعنت إسرائيليان في التقدم نحو هذا الحل ازدادت الأمور تعقيداً وصعوبة، وازداد الخطر على المنطقة كلها، لأن عدم تحقيق السلام، يعني ازدياد احتمالات تفجر الأوضاع من جديد. مع من كان التعامل أصعب، باراك أم شارون أم أولمرت؟ - القضية ليست قضية أشخاص، القضية قضية سياسات. وما أقوله دائماً هو أن على إسرائيل أن تختار إذا كانت تريد أن تبقى تعيش معزولة في عقلية القلعة أم تريد السلام الذي يضمن الأمن الحقيقي. * غداً حلقة ثانية