إذا رأيت أفرانا تبنى وعقوداً كهربية تضاء وتتلألأ وساحات وزوايا، فاعلم أن رمضان قد جاء. فأفران الكنافة والقطايف يبنيها الصعايدة - في جنوب مصر - قبل قدوم الشهر الكريم بأيام عدة. وتستعد الأسر والعائلات لإحياء لياليه بدعوة شيخ لتلاوة القرآن والتواشيح الدينية والأدعية والابتهالات. وكل عائلة هنا تعرف شيخها وخطيبها الذي يأتيها كل عام في نظير أجر معلوم في نهاية الشهر الكريم، والذي يقيم الشيخ طوال لياليه مع تلك الأسر والعائلات بدءاً من أذان المغرب والى قيام الفجر... يفطر معهم ويتناول سحوره وسطهم. أما ساحة الشيخ الطيب في منطقة القرنة، غرب نيل الاقصر، فهي تعج بزوارها من كل فج عميق طوال أيام الشهر. والشيخ الطيب من الأعلام الدينية في الصعيد إذ يفد إليه الكثير من أبناء العالم الاسلامي وجالياته في شتى البقاع، لنهل المزيد من علوم الإسلام وتعاليمه على أيدي أحفاد الشيخ رحمه الله. فهنا الشيخ محمد الطيب موجه علوم اللغة والدين وشيخ الطريقة الخلوتية، وهنا الدكتور احمد الطيب استاذ العقيدة والفلسفة وعميد كلية الدراسات الاسلامية في الأزهر، والشيخ الطيب الابن، والطيب الحفيد. اما دراويش الشيخ، وهم كثرة، فيقضون ليل رمضان في مجالس وحلقات ذكر دائمة كل ليلة في ساحة او ديوان عائلة من العائلات. ولا تنتهي تلاوة القرآن وقراءة الابتهالات والتواشيح الدينية - التي تبدأ عقب صلاة التراويح - إلا عند بزوغ الفجر. ويستعد كل طفل هنا لاستقبال ليالي رمضان بإحضار مدفع صغير يملأه بأعواد الثقاب ثم يهوي به على الأسفلت وقت الإفطار كل يوم، فيُحدث - مع بقية مدافع الصغار - دوياً هائلاً لإعلان حلول ساعة الإفطار. وفي المنازل تجلس الفتيات في مجموعات لعمل الكنافة بأيديهن وتجهيز وجبات رمضان من بقلاوة وقطائف والتمر بالحليب والفول المدمس الذي لا تخلو منه مائدة رمضانية. أما المخللات فقد أعدت قبل شهر من بزوغ هلال الشهر الكريم. والزينات ومجسمات المساجد المضيئة لا تغيب عن واجهة كل منزل. وما دمت في الأقصر، فلا تنسَ ساحة سيدي أبو الحجاج الأقصري وميدانه المشهور، وكذلك الساحة الرضوانية والشيخ محمد رضوان العالم العلامة المتبحر في علوم الدين والدنيا. في ساحة الشيخ رضوان - او الباحة الرضوانية كما يسمونها هنا - لا تستغرب إن بقيت الى ساعة الإفطار ووجدت من يأتيك بالطعام والشراب سواء كان قاضياً في محكمة أو لواءً في الشرطة او استاذ جامعة. فالكل يفد الى الساحة في أيام معلومات كل اسبوع أو شهر لخدمة زوار الشيخ رضوان وضيوفه ورواد ساحته. الجميع يأتون الى الباحة للتفرغ وللتقرب الى الله وعبادته خلال شهر الصوم، ونهل المزيد من علوم الشيخ محمد رضوان. كما تقام الموائد الرمضانية الجماعية كل يوم في الدار تقرباً الى الله. واذا كانت الساحات والمساجد لا تفرغ من روادها طوال نهار وليل الشهر الكريم، فالمقاهي لا تخلو ايضاً من شبابها. فالسهرات الرمضانية لا تنفض إلا مع بزوغ الفجر!