لعبت المواقع الالكترونية الليبية المعارضة التي تبث من الخارج، دوراً بارزاً في كشف كثير من الحقائق والمشاهد السلبية لممارسات نظام معمر القذافي وفضائحه. ولم تكن الصحافة العالمية تتردد في نشر أخبار تلك الممارسات، خصوصاً تلك المتعلقة بمجون أبناء القذافي. فتحت تلك المواقع الكثيرة، مثل: «ليبيا وطننا» و»ليبيا المستقبل» و»جيل ليبيا» و»أخبار ليبيا» و»ليبيا اليوم» و»المنارة» و»القلم الليبي»... وغيرها، صفحاتها لكل الكتابات الناقدة للوضع المأسوي الذي يعيشه الشعب الليبي. كتابات من داخل ليبيا تراوح درجات انتقادها بين القوة والضعف، وكتابات من خارجها تهاجم بشدة وبلا خوف من ملاحقة أو قمع من الأجهزة الأمنية، إضافة إلى صور رهيبة لجرائم ضد الإنسانية ارتكبها النظام وأشرطة فيديو لعمليات إعدام من دون محاكمة في حق طلاب أبرياء في شهر رمضان. كل ذلك كان له دور كبير في إشعال «ثورة 17 فبراير» (شباط) والتحضير لها منذ زمن، فضلاً عن تبديد جرعات الخوف التي كان النظام السابق يغرسها في نفوس الشعب. وبعدما انتصرت الثورة وانتشرت في البلاد وسائل الإعلام المختلفة، مطبوعة ومرئية ومسموعة، اضمحل دور المواقع الألكترونية الخارجية وتناقص عدد متابعيها من الليبيين، ما قلًّص تأثيرها في الحراك السياسي إلى درجة كبيرة. وكان النظام السابق دمر بعض تلك المواقع الالكترونية، مجنّداً قراصنة دوليين وشركات عالمية دفع لها مبالغ ضخمة لقاء خدماتها القمعية. ويعتبر الشاعر الليبي خالد مطاوع، أستاذ مادة الإبداع في إحدى الجامعات الأميركية، ان «السؤال عن الصحافة الليبية الجديدة مهم جداً. فالصحافة هي أهم ركائز المجتمع المدني. والصحافة الجديدة في ليبيا تفتقد المهارات وعامل الحرفية فيها متدنٍ من النواحي المعرفية والمهنية والإدارية. ولعل أهم عامل مفقود هو الإحساس بالأحقية للمعرفة وأهمية هذه المعرفة للمواطن والمجتمع». ويقول: «نتحدث نحن الليبيين عن الشفافية، ولكنني لست متأكدا من أننا نريدها حقاً، لأنها تعني العمل المفتوح في السياسة والتجارة والإدارة وهذا لسنا معتادين عليه بعد». ويتطرق مطاوع إلى العامل القانوني، معتبراً ان لا بد من وجود قوانين تحمي الصحافي وأخرى تحمي المواطن من الصحافة. ويقول: «مشكلتنا أساساً أننا مازلنا مجتمعاً شفوياً على الأقل في الأمور السياسية، وذاكرتنا بصفة عامة ضعيفة يغلب عليها التناسي إذا ما تطلبت المصالح ذلك. هذه الإشكالية لا تقتصر على ليبيا فقط، بل نجدها في عموم العالم العربي والإسلامي». ويعتقد مطاوع بأن مستقبل الصحافة في ليبيا مفتوح، ونجاحها مهم جداً حتى تسير الثورة نحو دولة المؤسسات المأمولة والدولة نحو الديموقراطية. ويرى الباحث والناشط محمد مليطان أن «ثورة 17 فبراير» دعمت بعض المواقع الالكترونية، لكنه يعتقد بأن هذه المواقع سيتقلص عددها بعد عودة الاستقرار إلى البلاد. ويقول: «هناك فارق بين مواقع المعارضة التقليدية وبين الصحف والمواقع والفضائيات التي واكبت الثورة»، معتبراً ان غالبية المواقع المعارضة ستستمر في شكل مختلف عن سيرتها الأولى، باعتبارها تمثل تياراً كان مقصياً خارج البلاد وستنتقل لتمثيله رسمياً داخل البلاد، باعتباره لاعباً في الملعب السياسي والثقافي الليبي. أما تلك التي اعتمدت في تمويلها على الثورة فستتقلص إلى حد كبير جداً، وسيبقى منها من كان يحمل أجندة سياسية أو يسعى إلى الاستثمار الإعلامي. ويقترح الناشط الشاب عاطف الأطرش الذي حُرّر حديثاً من سجون القذافي بعد ستة أشهر من الاحتجاز، أن يجري تحويل مواقع النت المعارضة في الخارج وصاحبة الخبرة الكبيرة في المجال الإعلامي إلى صحف ورقية تصدر بالتوازي مع استمرار تلك المواقع في البث الالكتروني، على أن تقوم بوظيفة المراقب والموجه والمتابع للشأن الليبي... بغية الخروج من مأزق الفوضى الإعلامية. صاحب موقع «بلد الطيوب الثقافي» الناقد الشاب رامز النويصري يعتقد بأن دور وسائل الإعلام السابقة في الخارج مهم الآن وأن دورها الحقيقي قد حان الآن لتفعيل الحياة الثقافية، و لتثقيف الشعب والأخذ بيده. وعلى العكس يرى الإقبال على مواقع الخارج مازال لا بأس به نظراً الى أنه لا توجد حتى هذه اللحظة مواقع أو صحف يمكنها تقديم خدمة الخبر والتحليل. فالصحف التي ظهرت حتى الآن هي صحف مازالت تحتاج لكثير من العمل لأخذ موقعها الحقيقي في المشهد . أما رئيس تحرير جريدة «قورينا الجديدة» فاتح الخشمي فيرى أن سبب انخفاض تصفحها والتفاعل معها هو توقف خدمات الانترنت في مدن ليبية عدة منذ بدء الثورة. أما الإذاعات والفضائيات فيربط استمرارها ونجاحها في عملها بتوفر التمويل المالي لها ... ويضيف منتقداً المستوى الفني للصحف الصادرة ويعزو السبب الى أن هذه الصحف يديرها ويحررها أفراد غير مؤهلين ولا علاقة لهم بالإعلام والصحافة معتمدين فقط على نقل أحداث الثورة في الشارع والجبهات. ويرى رئيس تحرير موقع صحيفة «الوطن» عصام العول أن مهمة مواقع المعارضة في الخارج «انتهت الآن»، معتبراً انها تعتمد على النقل من صحف ووكالات عالمية، وهذا أضر بها كثيراً لأن القضية ليبية وكان الأجدر بها أن تنفرد بالأخبار الحصرية. لكن للقاص الليبي المعروف خالد زعبية رأياً آخر في القضية، إذ يرى أن هذه المواقع فقدت أهميتها التي كانت عليها في مرحلة ما قبل «ثورة 17 فبراير». ويقول: «في مرحلة ما قبل الثورة قامت تلك المواقع بدورها التنويري والإعلامي المهم، إذ كانت منابر يلوذ بها الكثير من الليبيين لتقصي أخبار بلادهم التي لا يجدونها في وسائل الإعلام الرسمية. كما كانت تشكل أحياناً ملتقى لحوار الكثير من الليبيين حول شأن بلادهم وممارسة الاختلاف بين الرأي والرأي الآخر. فقد هرب أصحاب تلك المواقع بحرياتهم وأقلامهم وحتى أجسادهم إلى الخارج، لكن الآن لا مبرر لوجودهم خارج البلاد بعدما أصبحت متاحة لهم ممارسة حرياتهم في بلادهم إثر انتصار الثورة، بل وبهامش أوسع ومن قلب الحدث وهذا من شأنه أن يعمل على تطويرها... حتى تصبح مواقع إعلامية شاملة، كغيرها من المواقع العربية الأخرى المشابهة، مع إضفاء بعض الخصوصية الليبية عليها».