واشنطن - رويترز - السفراء الأميركيون هم في العادة الأكثر حِرَفِيّة، يزنون كل كلمة، في حوارات دقيقة هدفها تحقيق المصالح الأميركية بأقل قدر من الضجة. لكن السفير الأميركي في سورية روبرت فورد، جنح إلى زاوية غير ديبلوماسية، مستهيناً بالقيود التي تفرضها دمشق على تنقلاته، وتودَّدَ إلى شخصيات معارِضة بارزة، وشجب على موقع «فايسبوك» الاجتماعي الحملةَ الامنية الوحشية التي يشنها الرئيس بشار الاسد على المحتجين السلميين. وصل فورد، وهو واحد من أبرز المستعربين في وزارة الخارجية الأميركية، إلى دمشق في كانون الثاني (يناير) الماضي بجدول أعمال غير معتاد، وقال في مقابلة مع «رويترز»: «السفير رمز بارز جداً للمصالح الأميركية، وأنا رمز بارز جداً للشعب الأميركي، لذا فليس بوسعي الاختباء خلف الأبواب المغلقة. لدي عمل أقوم به، ومن المهم أن يراني كل من الشعب السوري والشعب الأميركي وأنا أقوم بهذا العمل». وكان من المتوقع منه، بوصفه أول سفير أميركي في سورية منذ خمس سنوات، أن ينفِّذ سياسةَ تقارُبٍ ودّي تدريجي، على أمل إبعاد حكومة الأسد عن تحالفها مع إيران و «حزب الله» اللبناني والجماعات المسلحة الأخرى، وتمهيد الطريق أمام التعاون في قطع خطوات سلام جديدة مع إسرائيل. وكان ذلك جزءاً من سياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما تجاه الخصوم التقليديين، مثل إيران، لكنها لقيت انتقادات عنيفة داخل الكونغرس، حيث يسري الشك في نوايا دمشق ودعمها ل «حزب الله». وأرسلت إدارة أوباما فورد إلى دمشق العام الماضي كخطوة موقتة إلى حين تصديق الكونغرس على تعيينه. ومضى السفير ذو النبرة الهادئة، في إعادة تشكيل مهمته في شكل جذري، ليصبح واحداً من أشد منتقدي الأسد قسوة داخل دمشق. ويبدو أن هذا النهج دعم موقفه أمام مجلس الشيوخ، حيث صوتت لجنة العلاقات الخارجية أول من أمس لمصلحة تأكيد تعيينه سفيراً في سورية. وما زال فورد في انتظار إقرار المجلس بكامل هيئته لمهمته في دمشق. وقال الخبير في الشؤون السورية في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» اندرو تابلر: «هذا ليس التعاملَ الديبلوماسي المعتاد، إنه في الواقع يقلبه رأساً على عقب، ويخلط الأمور على الأرض». وأتى فورد بأول خطوة علنية له في تموز (يوليو) الماضي، عندما سافر من دمشق إلى مدينة حماة المضطربة ليعلن دعمه للمحتجين بعد نحو 14 اسبوعاً من موجة التظاهرات المعارضة للأسد التي تجتاح البلاد. في حماة، المدينة التي شهدت مذبحة في العام 1982 عقب تمرد إسلامي مسلح على حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد، وتحولت مثالاً على القسوة، رحّب السكان بفورد حاملين الزهور وأغصان الزيتون، وزار محتجين مصابين وتحدث إلى سكان. وأثارت هذه الزيارة غضب الحكومة السورية، التي اتهمت فورد بالتحريض على الاضطرابات. وبعد ثلاثة أيام، وبعد ان نشر فورد تدوينة على موقع «فايسبوك» حكى فيها عن رحلته إلى حماة، هاجم موالون للأسد السفارة الأميركية في دمشق. وقام فورد بزيارة أخرى إلى مدينة سورية مضطربة الشهر الماضي، متجاهلاً الإجراءات الحكومية التي تُلزِمه الإعلان عنها مسبقاً. عمل هذا الديبلوماسي الأميركي المخضرم سفيراً لبلاده في الجزائر بين عامي 2006 و2008، كما خدم في كل من البحرين ومصر والعراق، وهو لا يتورع عن عرض الموقف الأميركي بلغة عربية صارمة يتحدثها ويُجيدها بطلاقة. ورفض السفير فورد على صفحة السفارة على «فايسبوك»، المزاعمَ بأن واشنطن تدعم «الإرهابيين»، وأعلن أن حكومة الأسد غير قادرة على إحداث إصلاح حقيقي، وردَّ على تعليقات من سوريين قال إنها أساءت تصوير الموقف الأميركي. ووصف مسؤولون أميركيون نشاط فورد على «فايسبوك» بأنه محاولة لإضفاء وجه انساني على معارضة الولاياتالمتحدة للقمع. وقال مسؤول رفيع: «فكرة العلاقة الشخصية في الثقافة العربية، حتى ولو كانت على فايسبوك، تهمّ أكثر». ومع وجود تلميحات عن إمكان سحب فورد من سورية، يرفض مسؤولو وزارة الخارجية الأميركية تنحيته، ويقولون إنه مازال على اتصال بمسؤولين سوريين كبار، رغم أنهم يعترفون سراً بأن العلاقات بين البلدين تضررت. وفرضت إدارة أوباما الشهر الماضي عقوبات على وزير الخارجية السوري وليد المعلم.