وصلت الأمور في سورية إلى حد لا يمكن السكوت عنه. فقد ناهز عدد الشهداء ثلاثة آلاف شهيد، منهم 458 طفلاً تحت سن 16 عاماً، و211 فوق سن ال60 عاماً، و141 امرأة، وناهز عدد المعتقلين 80 ألف معتقل، وبلغ عدد المفقودين أكثر من 25 ألفاً. وعرضت بعض القنوات الفضائية صوراً لبعض المجازر التي ارتكبها النظام بوحشية تقشعر لها الأبدان لم يعهدها تاريخ الإنسانية، منها صور لعجوز في سن ال84 ونصف جسده الأسفل مفتت، بسبب إصابته بقذيفة دبابة أطلقها الجيش السوري عليه. وصور لأطفال قتلوا بإطلاق النار على أعينهم من مسافة بعيدة، وهم يقفون على شرفات منازلهم. وعرضت أيضاً شريط فيديو يظهر جندياً وهو يطلق النار على جريح مدني ليجهز عليه، أمام تصفيق وتشجيع زملائه له، في وحشية جعلت شريحة كبيرة من الطائفة العلوية الذين كانوا يقفون إلى صف النظام يصرحون الآن علناً بمعارضتهم لهذا النظام الوحشي. طغى وبغى جنود بشار وأعوانه وشبيحته في شعبهم، فقتلوا وجرحوا الآلاف المؤلفة، ومثلوا بالجثث، واغتصبوا الأعراض، وانتهكوا حرمات البيوت، واعتقلوا الشباب والنساء والأطفال، وعذبوا الأطفال أمام أعين أمهاتهم، ليقروا أين يختبئ أزواجهن، وقتلوا الكثير من الشباب نتيجة التعذيب، وسرقوا البيوت والمحال التجارية، وأحرقوا الكثير من أراضي المزارعين، وأتلفوا المحاصيل الزراعية، وأبادوا الأغنام والأبقار في جسر الشغور وإدلب. وهجّروا الآلاف إلى الدول المجاورة، بعد أن منعوا عن الأهالي دخول الأغذية، وقطعوا الماء والكهرباء. ثم كان آخر أعمالهم الوحشية قذف مآذن بيوت الله بالمدفعية وتدميرها كلياً، والدخول إلى المساجد وقتل واعتقال المئات في أثناء تأدية صلاة الجمعة، وتدنيس المصاحف بالأرجل. الضغوط الدولية التي مورست على هذا النظام الوحشي، حتى الآن، لم تلق إذناً صاغية عنده. وإن الموقف السلبي الذي لا تزال تتبناه بعض الدول العربية، والجامعة العربية تجاه الانتفاضة الشعبية السورية، هو الذي شجع، ويشجع النظام على التمادي في إجرامه الوحشي، وهو ما اعتبره النظام ضوءاً أخضر للجوء إلى الإبادة الجماعية للشعب السوري برمته. مضى على الانتفاضة الشعبية في سورية ستة أشهر، ولا يلوح في الأفق القريب حسم جذري لتغيير النظام بتلك الطريقة السلمية التي اتبعها المتظاهرون. مع الأسف كان المجتمع الدولي بما فيه الدول العربية والإسلامية يحابي النظام خلال تلك المدة، ويمنحه الفرصة تلو الأخرى؛ لكي ينهي حركة الاحتجاج الشعبية السلمية بطريقته القمعية؛ تفادياً وتجنباً للعداء معه، وطمعاً في استقرار زائف في المنطقة. فبعد مرور ستة أشهر من أعمال القتل الإجرامية لا يزال بعض رؤساء الدول الغربية يخرج على الإعلام، ليدلي بتصريحات مائعة، لا تغني ولا تسمن من جوع. أما القرارات التي صدرت حتى الآن ضد بشار الأسد وبعض شخصيات نظامه، لم تكن إلا لرفع العتب عن المجتمع الدولي؛ باستثناء ثلاث دول هي المملكة العربية السعودية وقطر وإيطاليا التي سحبت سفراءها من دمشق. كان آخر المسرحيات الكوميدية التي قام بها المجتمع الدولي قبل أسبوعين، من باب رفع العتب، حين أصدرت بعض الدول الغربية قرارات فردية بمنع استيراد النفط من سورية، والذي يقدر إنتاجه بأقل من نصف مليون برميل يومياً. هذا القرار ينص على منع بعض الدول من الاستيراد من سورية، وليس بمنع سورية من التصدير. بل إن هذا القرار يعدّ غير ملزم لكل الدول الأعضاء في الأممالمتحدة، أي بمعنى أن النظام السوري يستطيع تصدير هذه الكمية الضئيلة إلى أي دولة صديقة لها. هذا مع العلم أن حظر تصدير النفط الذي فُرض على العراق لسنوات عدة لم يؤثر على نظام صدام حسين، آنذاك، على رغم أن العراق يصدّر ثمانية أضعاف ما تصدره سورية. هذا القرار المسرحي الهزلي منح النظام فرصاً جديدة لينفرد في التنكيل بشعبه، بعد أن انتهت مدة الأسبوعين التي هددت بها تركيا بأنها ستلجأ إلى التدخل. بل إن نبيل العربي بتصريحاته المخزية الأخيرة منح النظام ما لم تمنحه روسيا والصين. بعد أن طفح الكيل به خرج الشعب السوري يوم الجمعة الماضي في كل أنحاء سورية مطالباً بالحماية الدولية. هذا الأمر لقي صدىً كبيراً عند الكثير من شعوب العالم المتحضر، وعدّه بعض الزعماء الغربيين المتعاطفين مع الشعب السوري حقاً لهم، خصوصاً بعد تخاذل الأممالمتحدة والكثير من الدول العربية في الوقوف بجانبهم، على رغم صبرهم على معاناتهم لشهور طوال. أقول: مادام جميع الدول الأعضاء في الأممالمتحدة وافقت في مؤتمر القمة العالمي عام 2005 على المبدأ الأساسي المتمثل في مسؤولية حماية المدنيين، فإن من واجب المجتمع الدولي إيجاد طريقة لحضور عسكري رادع، ومشاركة مباشرة لمنع انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني، ووضع حد للإبادة الجماعية وللمجازر المروعة التي يرتكبها النظام الدموي السوري. وإنه لأمر مهم أن تكون الفقرتان 138 و139 من الوثيقة الختامية لمؤتمر القمة العالمي، آنذاك، قد وضعتا أيضاً على عاتق الأممالمتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن، مسؤولية مساندة الدول الأعضاء في حماية مواطنيها. وأدعو إلى الاستجابة لاستغاثة الشعب السوري المطالب بحقه في حماية أرواح أبنائه، واتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة للحيلولة دون استمرار النظام في ممارسة الإبادة الجماعية. وتيسير تقديم المساعدات الإنسانية لهم، وتوفير الحماية في مخيمات اللاجئين والمشردين داخلياً وحولها، وتهيئة الظروف المواتية لعودة السوريين اللاجئين منذ ثلاثة أشهر في المخيمات التي أقيمت خصيصاً لهم على الأراضي التركية، بشكل طوعي على نحو يكفل سلامتهم. وعلى مجلس الأمن أيضاً التعاون مع منسق الأممالمتحدة للإغاثة في حالات الطوارئ، وإشراك هذا الأخير إشراكاً تاماً للتخطيط لإرسال بعثات الأممالمتحدة لحفظ السلام وغيرها من البعثات المعنية إلى سورية. لا أن يدخل الصليب الأحمر الدولي سورية تحت مظلة النظام، إذ كانت تُفرغ السجون، التي كان قد انتقاها النظام بعناية، قبل موعد زيارة الصليب الأحمر الدولي، ويوضع شبيحة النظام بدلاً من المعتقلين، ويوزع عليهم الملابس الجديدة، والكتب الثقافية، لجعل سجون سورية تبدو كأنها سجون سويسرا. * باحث في الشؤون الإسلامية. twitter | @khtib_abdul