ندعوه «العم مبارك»، لكنني لا أعرفه شخصياً. قابلته مرتين في حياتي، رغم أنه جار والدي، أعتقد أنه في منتصف الستينيات، ويبدو أنه من القلائل الذين لا يزالون يتمسكون بأدق تفاصيل العادات والتقاليد. تشعر وأنت تشاهده بأنه عابر سبيل؛ فكل شيء موجود في سيارته! اجتمعنا على مائدة واحدة، تحدث كثيراً؛ تحدث عن تاريخ القبائل، عن نوعية السيارات الحديثة، عن ارتفاع سعر المواد الغذائية، وتجارة المواشي. فجأة صاح بصوته: «ارحموا الجمهور، وأعطوهم الراحة، ولا تشددوا في القوانين» ! وذلك عندما شاهدنا إحدى المباريات الودية التي أقيمت في الإمارات. مهما شرحت للعم مبارك عن نظام الاحتراف؛ فلن يقتنع إطلاقاً بمنعه من ممارسة بعض عاداته عندما يذهب لمشاهدة المباريات. بصراحة كنت أبتسم وأنا أتخيل المشهد الذي يرويه؛ فقد ذكر أنه كان يدخل «المسند» للمدرجات الأسمنتية قبل أن تتحول إلى كراسي مرقمة حالياً، مستمتعاً بقهوته التي كان يجلبها معه مع فنجال وحيد، ثم قال: «يا ابني... أريد أن أحضر إلى المباراة ومعي دلة القهوة وفنجالي وسجادتي؛ فلماذا يحرمونني منها؟». بصراحة تعاطفت مع العم مبارك، وتأثرت برغبته في الحضور بمقتنياته الكاملة إلى الملعب، إلى درجة أنه خطرت في بالي عدة أفكار لتطبيق متطلباته بشكل مقنن، لكن - للأسف - من الصعب تطبيقها بفناجيله. شروط نظام الاحتراف تحرمنا من بعض العادات التي اعتدنا فعلها سابقاً في المدرجات، وبغض النظر عن كونها حسنة أو سيئة، فإنها تبقى عادات موجودة في كل أنحاء العالم، لكن هذه هي ضريبة تطبيق نظام الاحتراف؛ فهناك بعض العادات والتقاليد التي يجب التخلي عنها؛ من أجل مواكبة التطور الكروي. لكن حكاية العم مبارك تجعلني أعود إلى الحديث عن وضع الدوري الياباني «النموذج الأمثل» لغالبية دوريات القارة الصفراء، بحسب الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، فلا تزال عندي قناعة بأن فيها إجحافاً لبلدان لها طبيعة مجتمع مختلف تماماً عن اليابان أو شرق آسيا، وبأي حال من الأحوال لا يمكن أن تضع نموذجاً لنظام من أي بلد لآخر، بل تأخذ منه ما يناسبك. كان من الأحرى أن يضع الاتحاد الآسيوي أربعة نماذج في مناطقه الأربع (جنوب ووسط آسيا، والشرق، والغرب، ومنطقة الآسيان)، حتى الأخيرة فيها اختلافات عدة من ناحية طبيعة المجتمع ما بين أستراليا وتايلاند مثلاً! الأمر ينطبق عندما تقارن هذه المناطق ببعضها، هل تتشابه طبيعة مجتمع غرب آسيا وشمال آسيا حيث توجد أوزباكستان وأخواتها أو جنوب آسيا حيث الهند ومثيلاتها؟ الخطوة التاريخية لتطبيق الاحتراف في دوري أبطال آسيا خطوة مهمة لتطوير كرة القدم الآسيوية بعد معاناة 42 عاماً من ضعف النظام الإداري والفني والمادي سابقاً، لكن هذا لا يعني التشدد في تطبيقه التام خلال سنواته الأولى وحرمان بعض الدول من المشاركة في البطولة؛ فهناك دول عدة تستحق المشاركة. [email protected]