حينما كانت الفضائية السودانية الرسمية الممثل الوحيد للسودانيين في الأثير الفضائي كانت تحرص، قبل حلول شهر رمضان، على ارسال فرقها إلى بعض الدول العربية والاوروبية لتسجيل برامج تبث خلال الشهر الكريم وعيد الفطر، ولكي تؤكد لمشاهديها «المحليين» حرصها على امتاعهم تسبق ذلك بدعاية صحافية مكثفة عبر مكتبها الاعلامي! كانت الفضائية الرسمية تشتري «سكات» المشاهدين ببيعها لعيونهم صور اخوانهم واخواتهم واعمامهم الذين هاجروا في غالبيتهم لأسباب سياسية إلى تلك البلاد القصية، فتقدمهم في منازلهم هناك أو في اماكن عملهم أو في السفارات السودانية تحت مسمى «الجالية السودانية». ولا تتكلف القناة كثيراً في ما يتعلق بالمستلزمات الفنية والتجهيزية، فهي تعلم ان صور هؤلاء المهاجرين، وإن قدمت بكاميرات هواة، كفيلة بإغراق أهاليهم في حالة من التأثر الشديد تعميهم من ملاحظة أية اشكاليات تقنية أو جمالية في الشاشة الوطنية! وفي أحوال نادرة كانت القناة التي تحتفي بالمسلسلات المصرية والسورية في برمجتها طيلة العام، تتقدم قليلاً وتنجح في «اصطياد» بعض نجوم الدراما في مصر وسورية وتسجل معهم حوارات مطولة... علماً ان غالبية اسئلتها كانت تركز على «العلاقات الازلية بين الشعبين»! وعلى رغم ان المسافات «قصرت» بين المواطنين وأهاليهم في المهاجر بفضل ثورة الاتصالات، وعلى رغم ان ثمة فضائيات سودانية ظهرت أخيراً وباتت تنافس القناة الرسمية إلا ان كل ذلك لم يحدث أية تغييرات تذكر على توجهها. بل يمكن القول انها زادت في شغفها ب «الخارج» بخاصة في برمجتها الرمضانية الحالية، فقد أقصت المسلسل المحلي عن خريطتها تماماً، مكتفية بالمسلسل المصري «الوتر المشدود» من بطولة آثار الحكيم واخراج خالد بهجت. وسجلت جملة من السهرات من بكين ولندن ودمشق وسواها من العواصم، ولم تنس مقابلاتها مع النجوم العرب مثل دريد لحام وداود شيخاني وسوزان نجم وسواهم. وفي هذا السياق ايضاً لم يجد الممثل ربيع طه طريقة يضمن بها ان الفضائية ستبث برنامجه الكوميدي القصير «حالة خفية» إلا بتصوير «مقالبه» في القاهرة ودمشق! ويمكن القول ان تأثير الفضائية «الأم» امتد إلى الفضائيات السودانية الاخرى، الصغيرة منها والكبيرة، فقناة «النيل الأزرق» سجلت غالبية سهراتها مع سودانيين وغربيين من دول غرب اوروبا. أما قناة «هارموني» فقد مضت بعيداً في النزوع إلى الخارج، فإضافة الى تسجيلاتها المكررة من العاصمة المصرية، «استلفت» فكرة وشكل البرنامج الساخر الذائع «حيلهم بينهم» لتقدمه باسم «بالدليل القاطع»، كما «استلفت» قناة «الشروق» البرنامج ذاته وسمته «العفو والعافية»! لكن حال قناة «الشروق» تبدو لافتة أكثر في هذا الاطار، فعلى رغم غلبة البرامج المنوّعة على خريطتها إلا انها لا تبث المسلسلات لا العربية ولا السودانية، إذ تنتظر صناعة مسلسل سوداني يصلح للبث على شاشتها! لكن غالبية برامج القناة التي تبث من دبي، والمعروفة بموازنتها العالية، تنتج في الأردن والإمارات وبكوادر فنية من هذه البلدان وقد ذاع أخيراً خبر حول ان المخرج السوري نجدت انزور سيشرف على خطة للقناة لإنتاج سلسلة من الاعمال الدرامية «السودانية»، ولكن بالاستعانة بمخرجين من سورية ومصر. وكانت القناة اقامت منذ فترة مسابقة للدراما المحلية اشرف على تحكيمها المصري محفوظ عبدالرحمن. وأفسحت «الشروق» مجالاً واسعاً في برمجتها الرمضانية لنجوم الدراما العربية مثل فردوس عبدالحميد وأيمن زيدان وغيرهما، ولكن من خلال برنامج حواري هو «خيمة رمضان»! تفوّت هذه القنوات على نفسها فرصة كبيرة لطرح ذاتها في الفضاء العالمي بهوية برامجية تخصها عندما تتجاهل ما هو «محلي»، وعندما ترى ان الانفتاح على العالم يعني تصوير مقابلات للعلاقات العامة والمجاملات الاجتماعية في العواصم العربية أو الغربية أو استعارة نماذج برامجية من فضائيات أكثر رسوخاً وذيوعاً.. وليت هذه الأموال المبذولة للسفريات الخارجية انفقت على برنامج محلي واحد ليبذل فيه الكثير من الجهد المبدع إعداداً وإخراجاً، لكان ذلك انفع وأبقى!