يبدو أن سليمان الهتلان أحتفظ بمخزون كافٍ من صفاء الذهن في حياة القرية التي نشأ فيها ليواجه صخب الحياة الحالي فهو يرى يتأمل أن أية تجربة إنسانية هي تراكمية تتداخل فيها عوامل كثيرة. ويقول: «تجربتنا في المناطق البعيدة عن المدن الكبرى في السعودية، التي كانت تفتقر إلى كثير من الخدمات المهمة (كهرباء وتلفون ومستشفيات وطرق)، كشفت لنا حجم الفارق التنموي بين الريف و المدن الرئيسية. و مع ذلك كان لحياة الريف إيجابياتها وسلبياتها، الريف إجمالاً يعطيك صفاء الذهن. إضافة إلى مفاهيم قبلية إيجابية كالتعاون. إنه مجتمع قائم بذاته. هل تعرفين معنى أن تنتقلين من مجتمع قبلي يغوص في العادات والتقاليد وطقوس القبيلة، ثم فجأة تجدي نفسك في بيئة مختلفة أكثر تعقيداً و تشعرك دوماً بأنك غريب؟ و مع الوقت يصبح تألف المكان الجديد حتى يصبح بيتك الجدي». ويضيف: «لقد عشت هذه التجربة وبإرثي القديم. وقد كتبت يوماً مقالاً اسمه «يوم جئنا إلى الرياض»، وقلت إنه من خلال من تعرفت إليهم في الإسكان الجامعي لطلاب جامعة الملك سعود، اكتشفت وطني للمرة الأولى. كنا جمعاً من القبائل والمناطق والمذاهب في مكان واحد. وهكذا، كلما تتنقل مسافراً أو مقيماً كلما أدركت أن العالم أكبر من قرية صغيرة، ثم تكبر وتسافر، وتعرف أن العالم أكبر من مدينة، وأن العالم أكبر من بلد أو منطقة». ويتابع: «أنا شديد الإيمان بالعولمة، ودراستي الجامعية كانت أغلبها في مسائل العولمة. نحن الآن نعيش فعلاً في قرية صغيرة. عوامل مشتركة كبيرة تجمعنا بأصدقاء من إسبانيا، من نيويورك، من طوكيو. وقد تكون هذه المشتركات الإنسانية أعمق من تلك التي تجمعنا بمن ينتمي لذات القبيلة أو المنطقة أو البلد. الثقافات تتداخل و تتشابك بعضها مع بعض. وفكرة «الخصوصية» الثقافية تتلاشى مع السفر و الترحال و مع هذا التقدم المتسارع في تقنية الاتصال». وهل خرجت القرية من رأس سليمان، بمعنى أن تعيش قطيعة مع الماضي؟ يجيب بانفعال: «لا بل على العكس، لا يمكن للمرء أن ينسلخ من جذوره ومن البيئة التي كانت نشأته الأولى. لكنني فقط ضد أن يبقى الإنسان أسير لتجربة واحدة. يقول الممثل الأميركي «تستطيع أن تخرج القروي من قريته، لكن لا تستطيع أن تخرج القرية من رأس القروي». يقال هذا المثل من باب التهكم على أبناء الريف. لكن الحقيقة أن نشأة الريف – على أيامنا – غرست فينا الإيمان بالعمل وروح العصامية. كانت القبيلة هي المؤسسة (المرجعية) لعلاقات الناس وتعاملاتها ومجمل حياتها. أن نقضي على هذه «المؤسسة» – كمنظومة قيم – من دون إيجاد البديل المعاصر أو أن نختزل قيم القبيلة في مواقف عنصرية أو مهرجانات للإبل لا يخدم المشروع الوطني الأكبر الذي نحلم أن ينجز ويبقى قوياً في ظل عواصف التغيير المحيطة. القبيلة مكون أساس من مكونات مجتمعنا. ولهذا فإنني أعتقد بضرورة توظيف قيم القبيلة الإيجابية لما يخدم المشروع الوطني الأكبر وتأصيل فكرة دولة المؤسسات التي معها تتحقق العدالة و تتكافأ الفرص».