واصل الثوار الليبيون أمس الضغط على قوات العقيد المخلوع معمر القذافي لدفعها إلى قبول الاستسلام في معاقلها القليلة المتبقية في البلاد، وخصوصاً في مدينتي سرت الساحلية وبني وليد جنوب شرقي طرابلس. وجاء تضييق الثوار الخناق على هاتين المدينتين اللتين تفيد المعلومات بأنهما تواجهان أوضاعاً بائسة، عشية انتهاء الإنذار الموجّه إليهما بالاستسلام بحلول يوم غد السبت، وغداة كلمة جديدة للقذافي هاجم فيها الثوار الذين وصفهم بأنهم «خونة» و «جرذان» ونفى الأنباء التي ترددت عن لجوئه إلى النيجر، مؤكداً أن مناصريه سيبدأون حملة للتصدي للحكام الجدد في طرابلس وأن حلف شمال الأطلسي (الناتو) سيخرج من ليبياً «مهزوماً». ووسط أنباء عن خلافات بين الثوار أنفسهم في شأن مستقبل البلاد، هدد رئيس المكتب التنفيذي في المجلس الوطني الانتقالي (رئيس الحكومة) محمود جبريل بالاستقالة إذا اندلع اقتتال داخلي بين المعارضين الذين أطاحوا حكم القذافي الشهر الماضي. ونقلت «رويترز» عن جبريل قوله في مؤتمر صحافي في طرابلس أمس إن بعضهم قام بمحاولات لبدء لعبة سياسية قبل التوصل إلى إجماع عام بشأن القواعد. وأضاف أن أولوية الإدارة الجديدة هي انهاء المعركة ضد قوات القذافي. وأضاف أنه إذا اتضح أن الحركة لا تجمعها أرض مشتركة فسينسحب. وقال جبريل إن مؤيدي الزعيم المخلوع لم يهزموا بعد بصورة كاملة، وحذّر الحلفاء الذين ساعدوا في اطاحة بالقذافي من بدء «الاعيب سياسية» ضد بعضهم البعض. وأضاف أن البلاد تمر بمرحلة تحتاج فيها للوحدة وانه بمجرد انتهاء المعركة يمكن للعبة السياسية أن تبدأ. وهذه الزيارة هي الأولى لجبريل منذ سقوط طرابلس في ايدي الثوار في آب (أغسطس) الماضي. في غضون ذلك، أحكمت قوات تابعة للحكومة الجديدة في ليبيا الحصار أمس على بلدة بني وليد التي يشتبه بأن القذافي واثنين من أبنائه يحتمون فيها. ونقلت «فرانس برس» عن القائد العسكري عبدالله بو عصارة قوله إن المفاوضات لاستسلام سلمي للمدينة توقفت «لأنها لم تسفر عن أي نتيجة»، وأوضح انه ينتظر تعليمات حول تحرك محتمل. وقال المسؤول عن التفاوض عبدالله كنشيل إن أحد ابناء القذافي، سيف الاسلام، شوهد في هذه المدينة. كذلك أوردت «فرانس برس» أن قوات الحكم الجديد سيطرت الخميس على منطقة الوادي الأحمر لتقترب بذلك من سرت، أحد آخر معاقل أنصار القذافي. ويقع الوادي الأحمر على بعد 60 كلم شرق سرت ويشكل أحد خطوط الدفاع الرئيسية لانصار القذافي في تلك المنطقة. أما الجبهة الغربية في سرت فبقيت هادئة امسفي انتظار انتهاء مدة الانذار. وبثت قناة «الجزيرة» أمس أن أمين مؤتمر الشعب العام (البرلمان) التابع لنظام القذافي محمد بلقاسم الزوي سلّم نفسه طوعاً للمجلس العسكري في طرابلس من دون مقاومة. ونقلت عن الزوي دعوته سكان مدن سرت وسبها وبني وليد إلى إلقاء السلاح والانضمام إلى الثوار، وقال إن على الليبيين أن يعوا أن نظام القذافي قد انتهى. وقال السفير الأميركي لدى حلف شمال الاطلسي ايفو دالدر إن القوات الموالية للقذافي قد تواصل القتال حتى بعد اعتقاله. وقال دالدر في إفادة صحافية إن اعتقال القذافي قد لا يشير إلى انتهاء حملة الغارات الجوية التي بدأها الحلف يوم 31 آذار (مارس). وقال «من غير الواضح أنه اذا اعتقل القذافي سينتهي الأمر تماماً بالضرورة... نحن ببساطة لا نرى الأمر كذلك. ما نعرفه أنه اذا كان لا يملك القدرة على تهديد المدنيين فعندئذ لا يهم أي شيء». وقال الامين العام لحلف شمال الأطلسي اندرس فوغ راسموسن في تصريحات في لشبونة إن مهمة الحلف في ليبيا ستستمر ما دام المدنيون يواجهون تهديداً من قوات القذافي. على صعيد آخر، قالت وزارة الخارجية البريطانية أن المبعوث البريطاني الجديد إلى طرابلس دومينيك اسكويث (السفير السابق في القاهرة وبغداد) قابل قائد ثوار طرابلس عبدالحكيم بلحاج في العاصمة الليبية، علماً أن الأخير اتهم الاستخبارات الأميركية والبريطانية بالتعاون مع أجهزة استخبارات القذافي التي تسلمته العام 2004 بعد اعتقاله في تايلاند. ويطالب بلحاج، وهو الأمير السابق ل «الجماعة الإسلامية المقاتلة»، باعتذار وتعويض عما لحق به على يد الأميركيين والبريطانيين. كما أدلى سامي الساعدي «أبو المنذر»، وهو قيادي آخر في «المقاتلة»، بتصريحات مماثلة اتهم في الاستخبارات البريطانية باستدراجه «عبر وسيط» في الصين من خلال اقناعه بأنه سيُسمح له ولعائلته بالعودة إلى بريطانيا التي سبق له أن أقام بها. لكن البريطانيين، كما قال، خدعوه بتسليمه إلى القذافي بدل نقله إلى بريطانيا. وكان بلحاج والساعدي فارين في ماليزيا والصين عام 2004 عندما وقعا في يد الاستخبارات الأميركية والبريطانية في إطار «الحرب ضد الإرهاب».