ليس من شأن تفاؤل الأميركيين بثورة آتية في إيران لا ريب فيها، إلا أن يدفع طهران الى الاستماتة مجدداً في دعم النظام السوري. فواشنطن تعتبر أن «ثوار» الجمهورية الإسلامية يتعلمون الآن من ربيع تونس ومصر وبعدهما سورية، لذا وجب على قيادة خامنئي – نجاد سد رياح «الربيع»، بتراجع عن تفهمهما «المطالب المشروعة» للشعب السوري، بعدما تبنيا مقولة «المؤامرة» المدبرة في ظلام أجنبي، لمحاصرة كل «ممانع»، بل إزاحته. أما النقيض لتفاؤل الأميركي في إيران فهو تشاؤم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي استبق الزيارة المؤجلة للأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي الى دمشق، ليتخبط بين تحذير الى القيادة السورية من فوات الأوان، وبين «أوان فات». هو أراد استعجال حركة إصلاحية حاسمة و «جريئة»، لم تعد واردة – كما قال – داعياً الى إجراءات دولية «منسقة». والتعبير الذي يلمّح إلى تحالف كبارٍ لاتخاذ هذه الإجراءات الغامضة – حتى الآن – يصب في النهج الفرنسي ذاته، المستنكر انقسام مجلس الأمن على معادلتين: جزرة بلا عصا تريدها موسكو، وإن باتت تدعو الى وقف العنف ضد المدنيين في سورية... وعصا يريدها الغرب بلا جزرة، قد تتدرج الى حد فرض حظر جوي يحرم الجيش السوري من أي غطاء لتحريك وحداته أو مراقبة الحشود، أو حتى استخدام المروحيات داخل المدن. وقد تتدرج ايضاً الى مرحلة إنذار دولي، لسحب دمشق كل عناصر الجيش وعتاده الى الثكن. وإن كان «الرد» البريطاني على بان كي مون، أن لا تدخل عسكرياً وارد في سورية، على خطى السيناريو الليبي، فمن شأن دمشق ان تعتبر تلك الرسالة «تضليلاً» كي تنام على حرير الصراخ الغربي، والمبادرة العربية «الصامتة». ألم تعتبر ان العقوبات الأوروبية لا تزعجها، كأنها تطلب المزيد؟! تذكّر تلك المكابرة بنهج الاستئساد الإيراني مع مجموعة الدول الست المعنية بالملف النووي. وفي كل الأحوال، لا بان كي مون قادر على توحيد صفوف مجلس الأمن لإطلاق مسار التدخل الدولي – غير العسكري بالضرورة – ولا الغرب يستطيع بسهولة تلمس المدى الذي يمكن موسكو الذهاب إليه، لوقف شهور «الحِداد» في سورية، ودورة القتل. وإن كان من التفصيل «التكتيكي» ذاك التباين بين لساني الكرملين والخارجية الروسية، بين التحذير من «مصير حزين» للرئيس بشار الأسد، وتشدد الوزير سيرغي لافروف مع أي مسار لتدويل أزمة سورية وثورتها، فالحال هي ما يُقلِق من احتمال سقوط دمشق في «فخ» كبير تتمناه!... هو ببساطة تخيّل القدرة على اللعب على التناقضات في روسيا، أو اعتبار مواقف لافروف كافية لصد اندفاعة الغرب الى التدويل. مَن يُضلِّل مَن؟ من يضغط لتسريع بدء مرحلة جديدة في الربيع السوري الدموي... مَن يصدّق امتلاك بان كي مون كلمة السر أو معرفته بساعة الصفر، فيما أقرب الجيران الى سورية، أردوغان الفاقد الثقة بنظامها، لا يبدو مؤمناً بصدق نية أميركا ورغبتها في تنحي الرئيس الأسد. ولا يبدو كذلك مطمئناً الى بدائل وخيارات، لمواجهة المجهول، ولا إلى لعب دور رأس الحربة لأي تدخل دولي من أجل قلب معادلة العنف والجنازات اليومية في سورية. أما العربي، الأمين العام للجامعة الذي قبلت دمشق باستقباله بعد تردد، ثم أجّلت زيارته 3 أيام لأسباب «موضوعية»، فالموضوعية تقتضي الاعتراف بأن مهمته العربية لن تتعدى إبراء الذمة، ما دامت الخيارات واضحة: إصلاح سريع ضمن مبادرة البنود ال13، أو مزيد من العنف الذي قد يتدرج الى فتنة طائفية فتدخل دولي. دمشق لم تكلّف العرب عناء انتظار مهمة العربي، فمحاولة اللحظة الأخيرة طويت سريعاً. النظام يتخيّل انه ما زال ناجحاً في ممانعة مستجدة حيال الضغوط، وأمام «مؤامرة» مقايضة بين ضياع «الاستقرار» وسلام مع إسرائيل يدفن تحالفات «مريرة». مأساة سورية، مرة أخرى: لا النظام قادر على احتواء الثورة أو سحقها، ولا دماء الشهداء بدّلت أولوية «الاستقرار على الإصلاح». وأما «الاستقرار» ذاته باللغة الرسمية، فلن يؤدي سوى الى تمديد الانتحار الجماعي. بلغة باريس هو بالتحديد «جرائم ضد الإنسانية». تبخّر الدرس الليبي سريعاً، «المؤامرة» استمرأها النظام. وهنُ الذاكرة إدمان في المنطقة... ليل سورية طويل.