«زعيم» الكرملين العائد إليه بقوة بعد أسابيع قليلة، فلاديمير بوتين، حسم أمره مدغدغاً أحلام الروس ممن سئموا «أوامر» الغرب، ويتمنون استعادة بلادهم قوتها العظمى، وإن لم يكونوا الغالبية حتماً. حسم أمره مع «الخطوط الحمر» في سورية وإيران، ليس فقط لتجنّب التفريط بآخر حليفين في المنطقة، بل كذلك لاستخدامهما منصتين في صد عواصف «الربيع العربي»، لئلا تضرب في عقر داره. لاءات بوتين التي أعلنها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، توحّد بين سورية وإيران بوصفهما ضحية ل «سوء النية» لدى الغرب: لا للعقوبات ولا للخيار العسكري ضد طهران، أو التدخل عسكرياً... في شؤون دمشق. و «اللاءات» الروسية الجازمة إن كانت تشي بفشل متجدد للجهود الأميركية– الأوروبية الساعية الى إدانة النظام السوري في قرار لمجلس الأمن ما زالت ولادته بعيدة، فالحال مع «كارثة» ضرب إيران، والتي يحذّر منها الكرملين، أن كل سيناريواتها خارج قاعة المجلس. لا إسرائيل ستطلب إذناً لضرب المنشآت النووية، ولا واشنطن ستحتاج قراراً دولياً كمظلة للتصدي لاحتمال إغلاق خامنئي مضيق هرمز. وأما نار النزاع السنّي– الشيعي، فما لم يقله لافروف عنها هو أن الخيار العسكري ضد إيران سينشر لهيبها من العراق إلى دول في المنطقة المتاخمة للمياه الدافئة. التصعيد الروسي مع الغرب وعودة أجواء حرب باردة بين موسكو و «شركاء» اتهمتهم باستعادة الأحلام الإمبريالية، قد يجوز تبرير بعضهما ببرنامج انتخابي يشد أزر بوتين في الاقتراع الرئاسي في آذار (مارس)، مثلما تبريد واشنطن المواجهة مع إيران والاكتفاء برفض «مستوى العنف» الحالي في سورية يجسدان حذر الرئيس باراك أوباما في سنة انتخابية قد يفقد فيها حظوظ بقائه في البيت الأبيض. لذلك تدرك طهران ان حسابات أي حرب أميركية أو حتى استدراج الأميركيين إلى مواجهة محدودة عند مضيق هرمز، شريان النفط، هي حسابات مختلفة هذه المرة، مثلما تدرك وواشنطن ان عواقب إغلاق المضيق تتعدى حساباتهما. فلا أوباما يمكنه التغاضي، خشيةَ التورط، ولا خامنئي يستطيع في هذه الحال ردع الحلف الأطلسي عن الرد، ولا تفادي ضرب ترسانة ايران ومنشآتها النووية. حتى حكومة نوري المالكي الحليفة لطهران، بدت مذعورة من إغلاق شريان الصادرات النفطية. وإن كان واضحاً أن حسابات الحقل والبيدر ليست واحدة بين الولاياتالمتحدة وجميع الحلفاء الأوروبيين الذين يتململون من النتائج المحتملة لحظر النفط الإيراني، فالأكيد أن طهران وجدت في خيار معاودة التفاوض مع الغرب على برنامجها النووي في اسطنبول، جزرةً لإغراء المتململين بفرصة أخرى للحوار، يعرف معظمهم انها عقيمة. وعوْدٌ على بدء، الى النقطة صفر، إلا إذا كان في محله، توجس الروس من سعي الغرب الى خنق اقتصاد إيران، لإضرام نار انتفاضة فيها، وزعزعة نظامها. الأكيد أن هذا النظام يخشى موعد الانتخابات النيابية في آذار، إذ يعتبرها اختباراً جدياً لصد عواصف «الربيع العربي»... ومعزوفة «المؤامرة» جاهزة. وأما في مأساة سورية التي تستنسخ ذاتها، بين شهداء وشهود، فالجميع محاصر في نفقٍ لا تبدو نهايته قريبة. فلا آلة السياسة تعمل، ولا آلة القتل تتعطل. لا وجود قطع الأسطول الروسي غلّب قبضة النظام، ولا انتشار المراقبين أعطى أملاً بنجاح تعريب الأزمة، ولا تخبط المعارضة أوحى باحتمال تسوية. وأما عسكرة المواجهة التي تتسع ملامحها، فما زالت الخط الموازي لسلاح التلاعب بنار الطائفية. لا يمكن المعارضة الرهان على مخرج يوحّد أعضاء مجلس الأمن، فيما الحكمة الصينية – على الأقل – ترى تحسُّناً أمنياً في سورية، لذلك تشدّ على يد جامعة الدول العربية. في المقابل، هل يمكن النظام أن يأمل بمجرد تمديد روتيني لمهمة شهود الجامعة؟ هو يدرك بالطبع، أن أي قرار دولي ولو تبنّاه المجلس بإدانة العنف والقمع، لن يشكل منعطفاً حاسماً يُضعِفه في مواجهة وقائع الشارع. ولكن مَن يضمن مفاجآت الشارع؟ معها لا يمكن ضبط إيقاعه على حسابات الانتخابات الأميركية وطموحات أوباما، ولا أحلام بوتين بإحياء قبضة القوة العظمى. في سورية المأساة، خسر الجميع هوامش المناورة، والقدرة على الخروج من خندق «المؤامرة» والدم.