في نهاية الأمر، ليس قليلاً عدد الأفلام التي حققها أورسون ويلز بالفعل خلال حياته. غير أن هذا المبدع السينمائي الكبير الذي يصنّف في أعلى لائحة كبار مبدعي الفن السابع كما في المسرح والتمثيل في طول القرن العشرين وعرضه، حطّم بالتأكيد كلّ الأرقام القياسية العالمية بالنسبة الى العدد المرتفع من المشاريع السينمائية التي لم يتمكن من تحقيقها - أو حتى استكمالها - طوال حياته. ولعل اللافت في الأمر انه لم يتمكن حتى من تحقيق الفيلم الأول الذي صاغه واشتغل عليه وكاد يجعل منه باكورة تدخّله في السينما، بعد سنوات من عمل مسرحيّ وإذاعيّ حقق له شهرة كبيرة في وطنه، قبل أن يحقق فيلمه الأول المنجز «المواطن كين» الذي ينظر إليه عادة بوصفه واحداً من أعظم عشرة أفلام في تاريخ السينما. لقد كان ذلك المشروع الأول معالجة سينمائية كتبها مبدئياً انطلاقاً من رواية «في قلب الظلمات» لجوزف كونراد- المشروع نفسه الذي سيرغب كل من جون هستون ولاحقاً ستانلي كوبريك ثم فرانسيس فورد كوبولا وغيرهم في تحقيقه، علماً بأن هذا الأخير حققه مواربة من خلال إدخاله في فيلمه الكبير «يوم الحشر الآن»-. لقد كان تراجع شركة «إر كي راديو» سبباً، إذاً، في إجهاض هذا المشروع الأول لويلز. وهو إجهاض سيعود ويطاول عدداً من مشاريعه يفوق كثيراً عدد الأفلام التي حققها بالفعل. وقد يكون مناسباً هنا أن نقول إن ويلز كان في أحيان كثيرة مسؤولاً بفوضاه عما آلى اليه مصير تلك المشاريع - وهي حقيقة لم يخفها هو نفسه في معظم تصريحاته الصحافية خلال السنوات الأخيرة ولا سيما في الكتاب الشهير الذي احتوى حوارات أجراها معه بيتر بوغدانوفيتش-. كما اشرنا، إذاً، لم يكن «دون كيشوت» أو «في قلب الظلمات» المشروعين الوحيدين المجهضين لويلز. كان هناك أيضاً نحو دزينتين نذكر هنا أبرزها (ومن بينها أعمال استكملت بعد رحيله): «تاجر البندقية» عن مسرحية ويليام شكسبير، «الجانب الآخر من الريح» (بدأ تصويره عام 1970 وأنجز تصوير أكثر من 90 في المئة من مشاهده)، «مستر أميركان» (وهو صياغة أولى ل «المواطن كين» كانت تنحو الى تصوير حياة هوارد هيوز)، «كل هذا حقيقي» (وهو عمل توثيقيّ عن أميركا اللاتينية)، «مسيو فيردو» (عن السفاح الفرنسي الشهير لاردرو وويلز سرعان ما أعطى الفكرة الى تشارلي شابلن)، «سيرانو دي برجيراك»، «حول العالم في ثلاثين يوماً»، «حكايات استثنائية» في اقتباس عن إدغار آلن بو...