«الحياة»، أ ف ب - ادت الحركة الاحتجاجية المستمرة في سورية منذ 15 شهراً والعقوبات الدولية التي فرضت عليها الى ارتفاع معدلات التضخم الى نسب غير مسبوقة فشلت التدابير الحكومية في الحد منها. ويخشى محللون من تأثير استمرار ارتفاع التضخم في الاسابيع المقبلة في ظل استمرار اعمال العنف وغياب الحلول المجدية على الحالة المعيشية للمواطن، اضافة الى وقف التحويلات من المغتربين السوريين واضطرار الحكومة الى اللجوء الى الاحتياط الذي تراجع بنحو النصف تقريباً. ويجمع الخبراء على ان التضخم يعود الى انخفاض سعر صرف العملة المحلية بنحو 50 في المئة وضعف الموارد الإنتاجية والاستثمارية بالإضافة الى العقوبات الاقتصادية، على رغم ان سورية ليست مدينة سوى الى روسيا بثمن الأسلحة التي تُسددها ببضائع مصنعة وصادرات زراعية. ورأى المحلل الاقتصادي نبيل السمان ان نسبة التضخم المرتفعة تعود الى عدم وجود حل في الافق للأزمة»، مؤكداً أن «صلابة الاقتصاد تعتمد على الثقة والامان» بالمستقبل. واعلن المكتب المركزي للإحصاء الاسبوع الماضي، ان نسبة التضخم السنوي لنيسان (ابريل) الماضي ارتفعت بمقدار 31.45 في المئة عما كانت عليه في نيسان 2011. واظهر تقرير اعده المصرف المركزي حول التضخم استناداً الى بيانات الرقم القياسي لاسعار المستهلك حتى آذار (مارس) 2012، أن معدل التضخم خلال الشهور الثلاثة الأولى بلغ 22.54 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من 2011 التي بلغ فيها معدل التضخم 4.68 في المئة. وانتقد السمان اداء الحكومة، التي «فشلت في ادارة الازمة الاقتصادية» بعد اندلاع الحركة الاحتجاجية الشعبية منتصف آذار2011. وتوقع المحلل الاقتصادي فراس حداد، هذه النسبة «غير المسبوقة»، بسبب «عدم وجود آليات حكومية للتدخل في السوق، التي غيب 80 الى 90 في المئة منها في 2005 عندما بدأ العمل بسياسة السوق الاجتماعية». واضاف ان سياسة المصرف المركزي لم تكن مجدية، اذ تخلى عن تمويل الواردات وترك اسعار القطع بأيدي السوق السوداء والصرافين «قبل ان يتدخل اخيراً عبر سعر تأشيري حافَظَ فيه على تحديد السعر لكنه لم يخفضه بالقدر المطلوب». وأثرت اسعار الصرف في اسعار منتجات القطاع الصناعي والزراعي «كون معظم موادها الاولية مستوردة وافتقاد القطاع الإنتاجي الى المرونة وعدم مقدرته على زيادة الإنتاج بالاعتماد على مواد اولية محلية بديلة»، بحسب حداد. كما عزا المحلل الاقتصادي جهاد يازجي نسبة التضخم التي ترتفع بشكل مستمر منذ شهور، الى «إقرار رفع الضرائب الجمركية وانعدام الامن في عدد من مناطق البلاد، ما عقَّد من شبكات التوزيع والإنتاج». وارتفعت التعرفات الجمركية من 40 الى 80 في المئة، وفقاً لمرسوم حكومي صادر في شباط (فبراير) وشمل 39 صنفاً من المنتجات الغذائية والأدوات الكهربائية واللحم المستورد والادوات المنزلية وبعض الكماليات. واكد السمان ان التضخم «سينعكس على المدى القصير شحاً في بعض المواد المعيشية والمحروقات وقيام اقتصاد مواز مبني على الاحتكار بصورة غير مسبوقة». ويشكو المستهلكون من عدم تناسب الاجور مع المعيشة، فبعدما كان الناس سابقاً يتدبرون امورهم رغم ضيق الحال، اختلف الأمر الآن بعد تقلص الموارد ولجوء المواطنين الى انفاق مدخراتهم. ونشطت السوق السوداء ولجأ التجار الى احتكار البضائع الرئيسية ليصار الى بيعها بأضعاف أثمانها في غياب الرقابة التموينية. واكد استاذ الاقتصاد تيسير الرداوي، ان استمرار الازمة انعكس سلباً على عالم الاعمال، موضحاً ان «الكثير من المنشآت توقف عن الانتاج وتدنى حجم استخراج النفط ومردود المنتجات الزراعية والصناعية». وقدر نسبة النمو الاقتصادي للعام الماضي بنحو 2 في المئة، مشيراً الى ان «بعض المراقبين يعتبرون انها سالبة». ولم يصدر المكتب المركزي للإحصاء حتى الآن أرقامه حول معدل النمو الاقتصادي. وأثرت العقوبات الأوروبية في تصدير النفط السوري، ما ادى الى «انخفاض مأسوي» للعائدات من العملة الصعبة، وفق يازجي، الذي يدير نشرة «سيريا ريبورت» الاقتصادية. وتشتري اوروبا نحو 90 في المئة من صادرات النفط الخام السوري، ما ادى الى خسارة قطاع النفط السوري نحو اربعة بلايين دولار نتيجة هذه العقوبات. وأقر الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة عقوبات ضد النظام السوري، احتجاجاً على ما وصفوه ب «العنف المشين»، الا ان دمشق اعتبرت ان حزمة العقوبات «غير المشروعة» المفروضة عليها، هي عبارة عن «ارهاب اقتصادي» ينتهك مبادئ حقوق الانسان. واعتبر حداد أن فرض العقوبات الاقتصادية في 2011 أثر بشكل مباشر في واردات القطاع العام وبشكل غير مباشر من خلال منع المصارف من التعامل مع سورية وما ترتب على ذلك من تعقيدات ترافق اي عملية استيراد خاصة بالقطاع الخاص. وفي ظل هذا التضخم «الجامح»، عمد المصرف المركزي الى طرح اوراق نقدية جديدة للتداول «لاستبدال الاوراق التالفة والمهترئة» من دون الإشارة الى حجم هذه الكتلة المطروحة. واكد حاكم مصرف سورية المركزي اديب ميالة لوكالة الانباء الرسمية (سانا)، ان طرحها للتداول «ليس له أي أثر على التضخم». إلا أن الرداوي قال ان «اي زيادة في حجم الكتلة النقدية بنسبة تتجاوز 4 في المئة سنوياً سيؤثر في التضخم»، موضحاً ان ذلك «لن يؤثر في ما لو كانت الكتلة دون هذه النسبة». وفي غياب اي حل سحري لمشلكة التضخم المتفاقمة، يرى حداد انه يمكن ايجاد «حلول آنية وسريعة وآلية جديدة للدولة تسمح لها بالتدخل المباشر في السوق الرقابية وضبط سعر الصرف لخفض الاسعار الناتجة عن أسباب وهمية، وحلول استراتيجية طويلة لخفض الاسباب الحقيقية» على المدى البعيد. واعتبر الرداوي انه لا يمكن معالجة التضخم بحلول نقدية او اقتصادية بمفردها، الا إذا «انتهت الأزمة وزادت معدلات التنمية». ورأى السمان انه «لا يمكن ايجاد حل للتضخم في ظل استمرار العنف»، معتبراً ان وقف العنف هو «البداية لنهاية الأزمة».