زرت سورية أخيراً للمشاركة في عزاء والد صديق لي. ولذا، استخدمت جواز سفر عادياً غير ديبلوماسي في هذه الزيارة الخاصة، قبل تعييني ممثلاً خاصاً للاتحاد الأوروبي. ودوري اليوم هو تيسير العملية الانتقالية في عدد من الدول. ولا أرى أن سورية هي واحدة من الدول هذه. وقابلتُ عدداً من الشخصيات المقربة من النظام السوري في إطار غير رسمي، ولم أتصل بالرئيس السوري. وأبلغتُ المقربين من النظام رسالة مفادها: «أنتم لا ترون الحقيقة على ما هي. فالعنف بلغ مبلغاً لا يحتمل. والمجتمع الدولي يدين أعمال العنف». ونبهتُ من اجتمعت بهم الى أن تصديق الناس والمجتمع الدولي الإجراءات السياسية التي يقرها النظام هو رهن وقف العنف ومحاسبة المسؤولين عنه من المأمورين والآمرين، وتشريع الأبواب أمام مرحلة انتقالية من طريق الدعوة الى عقد مؤتمر مع المعارضة وشرعنة عمل الأحزاب السياسية. ولكني لم أدعُ الى عقد مؤتمر في مدريد. والتشاؤم يغلب على رأيي عند تقويم الوضع الداخلي السوري. فالنظام أطاح احتمالات الحوار مع معارضة منظمة، وأجج الطائفية، وفاقم الشقاق في المجتمع. وأعمال العنف تتواصل، في وقت يدرك الشعب أنه بلغ نقطة اللاعودة ويواصل النضال. وراقب النظام السوري حوادث مصر وتونس، ويدرك أن بقاءه هو على المحك. لذا ينتهج سياسات أشرس وأقسى. والمجتمع الدولي ملزم مفاقمة الضغط عليه. وليس انفراط الالتحام بين الجيش والنظام راجحاً. فالضباط لم يشاركوا في دورات تبادل مع الدول الغربية، على خلاف ضباط جيوش الدول المجاورة. وإلى اليوم، لم تبرز مؤشرات واعدة، على رغم انشقاق ضباط من رتب عالية بعد إدراكهم أنهم يساهمون في تنفيذ مجزرة فعلية. وقد ينشق عسكريون سوريون ويهربون الى الخارج، على نحو ما حصل في ليبيا. لكن عمليات الانشقاق تقمع قمعاً عنيفاً. وتشهد منطقة الشرق الأوسط تغيرات كبيرة، ويعوّل النظام السوري على مكانة سورية الاستراتيجية في المنطقة ليتساهل معه المجتمع الدولي. ولكن الرياح لا تجري على حسابات النظام السوري، وصبر المجتمع الدولي ينفد. وتبذل مساعٍ لتوفير الإجماع في مجلس الأمن على قرار يتناول الوضع في سورية. والإجماع هذا لناظره قريب. وقد تبلغ المساعي هذه هدفها. وضغوط الدول العربية وجامعتها على النظام السوري تتعاظم. وآمل بأن تدخل الأراضي الليبية كلها في العملية الانتقالية في القريب العاجل. وأرى أن عجلة التغيير في سلسلة من دول المنطقة لن تتوقف، ولن ترتكس الى الوراء. وأعمل على الإسهام في العملية الانتقالية من طريق التعاون مع أطراف سياسية رفيعة المستوى. وعلى رغم كلامي عن سورية وليبيا، ليست مهمتي إدارة الأزمات. ويبرز الغضب في تونس ومصر جراء تأخر إرساء البنى الجديدة. ولكن قضايا مثل تنظيم الانتخابات وإرساء مؤسسات جديدة وبدء الحوار بين القوى السياسية تحتاج الى الوقت، وليس من اليسير على الناس الذين أسقطوا الديكتاتورية وأطلقوا عجلة تغيرات تاريخية إدراك ذلك. فالناس كانوا يعرفون من يواجهون. واليوم، وجدوا أنفسهم أمام مهمة تحديد أهداف جديدة. والعملية هذه تفضي الى بروز انقسامات جديدة. فعلى سبيل المثل، يميل الإسلاميون الى توجيه العملية السياسية الى وجهة محددة، بينما يميل العلمانيون الى وجهة أخرى. ويبدو أن الإسلاميين والعلمانيين في تونس ومصر يدركون الأخطار المترتبة على انفراط عقد الإجماع ويسعون في صوغه مجدداً. ويأخذ التونسيون والمصريون على أوروبا دعمها الفاتر لهم. فأوروبا غلّبت كفة الاستقرار على كفة الديموقراطية. ويفترض بها أن تبادر الى تفسير موقفها، وأن تبادر الى التزام فعلي في المنطقة. والتحدي هذا وثيق الصلة بتمويل سياسة الجوار مع دول الجنوب، في وقت نعاني أزمة مالية لا يستهان بها. وتعاني الدول التي هبت عليها رياح التغيير من نتائج انهيار العائدات السياحية، وارتفاع أسعار النفط وتضخم الدين العام، في وقت تطمح الى إرساء ديموقراطيات لا يكون فيها التعليم والخدمات الطبية حكراً على مجموعة واحدة. والمؤسسات الأوروبية تدرك أن المساعدات الاقتصادية ملحة. * ممثل خاص للاتحاد الأوروبي لشؤون دول جنوب حوض المتوسط، عن «لوموند» الفرنسية، 19/8/2011، إعداد منال نحاس