من ينسى صورة طفلة أفريقية جائعة (في جنوب السودان) تزحف بوهن على الأرض، وبجوارها نسر ينتظر موتها، صورة أبكت العالم التقطها المصور الجنوب أفريقي كيفن كارتر في التسعينات من القرن الماضي، ولمع اسمه عالمياً بسببها، ثم انتحر في ظروف غامضة. أطفال ونساء الصومال يعيشون ظروفاً شبيهة بحال تلك الطفلة الأفريقية، والبذل لهم واجب، لذلك سارع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى إعلان حملة تبرعات شعبية، إضافة الى ما قدّمته الحكومة السعودية منذ إعلان حال المجاعة لمساعدة الجياع في الصومال، وبدأت الحملة أمس. صور المجاعة والتفاعل معها يجب أن تتعدى قضية البذل والتبرع للمستحقين في الصومال وغيرها إلى حملات في الداخل تؤصل حفظ النعمة واحترامها، وفي بلادنا إسراف له جذور اجتماعية وعادات ولامبالاة أحياناً، ومن السهل المطالبة بحملة أو حملات، لكن مثل هذا يحتاج إلى جهة تعنى به، ثم تواصل العمل على تفعيله حتى يصبح سلوكاً شخصياً، ويصبح ما عداه سلوكاً شاذاً، إلى أن يتم الالتفات رسمياً. لذلك، لا بد أن نبدأ بأنفسنا ومن حولنا، وإذا دققت النظر تجد أن كثيراً من العادات الإيجابية تحوّلت إلى مظاهر إسراف. في الشهر الكريم، نرى أن تفطير الصائم تحوّل إلى تجارة، في السابق كان الناس يُخرجون من طعام بيوتهم لتفطير الصائمين في المساجد، الآن أحيل الأمر إلى متعهدين ومطاعم، وهذه الجهات لا علاقة لها بفائض الأطعمة وما يذهب إلى حاويات القمامة، مادامت الكلفة دفعت، ومن المظاهر ما بدأ ينتشر في الأعياد، في السابق (أيضاً) كان الناس صباح العيد يُحضرون أطعمة من منازلهم (ذواقة) لمائدة تفرش في الطريق، الآن أوكل الأمر أيضاً -في كثير من الأحيان- إلى المطاعم والمطابخ، سواء تمت الدعوة في الطريق أو في استراحات، فتحول الأمر إلى عادة جديدة. وواحدة من مشكلاتنا هي «البوادي والتباسي»، الأكل الجماعي المشترك في صحن واحد، وسد العيون التي تأكل أكثر من البطون «وشرهة فلان وعلان» و «يمكن يقولون»، حيث يفيض الطعام في الغالب عن حاجة المدعوين أو يصل - بعد الانقضاض على علوه- إلى حال لا يمكن أن تقبلها نفس، ويظهر أننا بحاجة لوضع صور من مجاعة الصومال في كل صالة طعام أو «مقلط»، وبحاجة أيضاً إلى إعادة تعريف الكرم والكريم. www.asuwayed.com