قاعدة «ماريز» (العراق) - أ ف ب - يخشى المترجمون الذين يعملون مع القوات الاميركية في العراق على حياتهم بعد الانسحاب الاميركي نهاية العام ويجدون انفسهم مضطرين للاختيار بين مرارة المغادرة او البقاء على رغم المخاطر. ويقول مترجمون يعملون في منشآت للشرطة والجيش قرب الموصل (350 كلم شمال بغداد) ان امنهم الشخصي معرض للخطر، الا ان القبول بالحصول على تأشيرة لدخول الولاياتالمتحدة يعني ايضاً ان مستقبل عائلاتهم سيكون محفوفاً بالغموض. ويشير المتحدث باسم القوات الاميركية في العراق اللواء جيفري بيوكانن الى ان حوالى تسعة آلاف عراقي كانوا يعملون في مجالات عدة مع الجيش الاميركي حتى تموز (يوليو) الماضي. وتواجه اعداد كبيرة من هؤلاء خطر البطالة حتى وان توصلت بغداد وواشنطن الى اتفاق على ابقاء قوات اميركية لتدريب نطيرتها العراقية، اذ ان اعداد هؤلاء المدربين قد تكون اقل بكثير من العدد الحالي للجنود البالغ حوالى 47 الفاً. ويقول اسماعيل الذي يعمل مترجماً لجنود اميركيين «اشعر بالقلق على امني الشخصي، وعلى عائلتي، لأنني لا اعرف ماذا سيحل بنا بعد رحيل الأميركيين». ويضيف اسماعيل، وهو اشوري، انه يدرك جيداً مخاطر العمل مع القوات الاميركية في العراق. وكان يعمل في غسل الملابس في قاعدة اميركية في بغداد عام 2006، الى ان ابلغه اشخاص من المنطقة نفسها التي ينتشر فيها عناصر من «جيش المهدي» ان عليه وعلى زملائه العراقيين ان يوقفوا عملهم مع الاميركيين. وبالفعل غادر اسماعيل بغداد، وتوجه مع ستة من افراد اسرته الى اقليم كردستان الذي يتمتع باستقرار امني وبحكم شبه ذاتي. وقال: «بعد اسبوع، قتلوا الاشخاص الخمسة الذين كانوا يعملون معي، قتلوهم جميعاً. قلت لهم ان يغادروا، الا انهم لم ينصتوا إلي». وعمل اسماعيل، وهو اب لطفلة، بعد ذلك مترجماً للجيش الاميركي بهدف اعانة عائلته مادياً واكتساب خبرة اضافية في هذا المجال، علماً انه يمارس هذه المهنة منذ ثلاث سنوات. وتعرض للتهديد مجدداً خارج قاعدة في الموصل عام 2010 وقيل له «اذا رأيناك المرة المقبلة في هذا المكان، سنقتلك». وكان اسماعيل اجرى قبل ثلاثة اشهر مقابلة للحصول على تأشيرة دخول الى الولاياتالمتحدة. وقال: «نأمل الحصول عليها قبل مغادرة الاميركيين». وبإمكان العراقيين الذين عملوا لدى القوات الاميركية لأكثر من عام التقدم بطلب الحصول على «تأشيرة هجرة خاصة»، فيما الذين عملوا لأقل من عام يحصلون على وضع لاجئ، الامر الذي يمكن ان يعجل بإرسالهم الى الولاياتالمتحدة. ويستطيع المعنيون في كلتا الحالتين اصطحاب عائلاتهم معهم. ويرفض بعض المترجمين فكرة مغادرة العراق. ويقول جون (30 سنة) الذي يعمل مترجماً في مركز الغزلاني للتدريب الحربي جنوب الموصل، انه كان قلقاً على امنه الشخصي، وانه مارس الترجمة من اجل الحصول على تأشيرة تخوله المغادرة الى الولاياتالمتحدة، الا انه عاد وتخلى عن الفكرة. ويوضح جون وهو أب لطفلين وزوجته حامل بطفل ثالث ان «والدي دفعني إلى ان اغير رأيي. اخي لا يستطيع تولي الامور بنفسه هنا، ووالدي يعاني من امراض عدة». ويعتبر جون انه بات «معلقاً»، مضيفاً انه يود ان يأخذ والديه معه الى الولاياتالمتحدة، الا انهما لا يتكلمان الانكليزية، ويرفضان مغادرة العراق، على رغم ما يحمله البقاء من مخاطر. وبدأ جون العمل مع القوات الاميركية عام 2003، بعيد سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين. وتعرض لتهديدات عام 2004 من متمردين وضعوا اسمه وصورته في مسجد قرب منزله، مطالبين اياه بترك عمله. وترك بعد ذلك مدينته التي رفض ذكر اسمها لأن والديه ما زالا يقطنان فيها، وتوجه الى اقليم كردستان، وتوقف عن الترجمة لحوالى تسعة اشهر، قبل ان يعاود العمل مع الاميركيين بسبب صعوبة العثور على عمل في الاقليم. ويقول: «لا ادري كيف وصلت الى هنا، لكنني ما زلت على قيد الحياة. لقد مررت بالكثير من الظروف الصعبة، الا انني لم اتعرض لأي اصابة». ويبحث مترجمون آخرون عن اقرب فرصة للخروج من العراق، وبينهم والاس الذي رفض ايضاً كشف اسمه الحقيقي. وحتى في مركز الغزلاني للتدريب الحربي، يضع والاس الذي ينتمي الى الاقلية اليزيدية، قناعاً يغطي نصف وجهه الاسفل، تعلوه نظارة شمسية وقبعة، في محاولة لاخفاء ملامحه. ويقول انه قرر العمل مع القوات الاميركية بسبب حاجته الى المال لاعانة عائلته واخته المريضة. وذكر ان سائق اجرة قال له مرة في كركوك (240 كلم شمال بغداد) بعدما رآه يخرج من قاعدة اميركية ان «مالك حرام. لا يجدر بك العمل معهم». واعتبر والاس الذي اجرى منذ خمسة اشهر مقابلة للحصول على تأشيرة مغادرة الى الولاياتالمتحدة ان هذا الحادث يمثل «تهديداً» بالنسبة اليه. وقال: «عندما احصل على التأشيرة، سأذهب الى الولاياتالمتحدة ولن اعود ابداً، نحن لا نستطيع العيش هنا». وتابع «لا شك ابداً في ان المترجمين سيقتلون اذا تركنا الاميركيون».