تلخص المغنية المصرية الشابة مريم صالح (28 سنة) في طريقة غنائها، أبرز ما يمكن أن تتابعه في الحال الغنائية المصرية التي راجت بعد «ثورة 25 يناير» 2011، والتي توصف عادة بحركة الغناء المستقل أو غناء فرق «الأندر غراوند» التي نشطت خارج فضاءات العرض الرسمي. تربت مريم صالح فنياً على يد والدها المخرج المسرحي الراحل صالح سعد، وبدأت الغناء والتمثيل في سن السابعة وعملت وتدربت مع فرق مسرحية وموسيقية أبرزها «الورشة» و «طمي» و «حبايبنا» وفرقة «بركة» التي أسستها. وظهرت في شريط سينمائي بارز هو «عين شمس» مع المخرج إبراهيم البطوط، وقدمت ألبومها الأول «أنا مش بغني»، وعملت في مسلسل «فرح ليلى» مع النجمة ليلى علوي العام الماضي. يصلح عنوان هذا الألبوم لتفسير نوعية الغناء الذي تقدمه وهو غناء يمكن القول إنه ضد «الغناء» فثمة حفاوة واضحة ب «النشاز» أو الخروج على الأنماط الموسيقية الشرقية التقليدية، وتقديم خلطة من موسيقى «البوب» والغناء الاحتجاجي الذي يرتكز أساساً على نصوص شعرية وثيقة الصلة باللحظة المصرية الراهنة من دون تورط في الاحتجاج المباشر، إذ إن نصوص أغانيها كتبها شعراء شباب متميزون مثل مصطفى إبراهيم وميدو زهير وعمر مصطفى وهم منتجو الخطاب الغنائي الجديد الذي أفرزته الثورة من حيث الانغماس في تفاصيلها اليومية صعوداً وهبوطاً والحفاوة بالخيبات الصغيرة والالتفات إلى الهامش الشخصي الذي كان مغيباً في الغناء الرسمي لمصلحة الغناء العاطفي المحاصر بين ثنائيات الوصل والهجر. ومن ناحية أخرى، يكشف أداء مريم في الحفلات الغنائية التي تقدم في الفضاءات المستقلة عن حال متميزة من حالات الأداء المسرحي التي يتفاعل معها جمهور الشباب على نحو لافت ومثير للتأمل في دوافع هذا الاستقبال الحافل الذي جعل نصوص أغانيها وطريقتها في الغناء موضوعاً للسخرية على صفحات «أساحبي» على «فايسبوك» ما يؤكد حضورها ك «أيقونة» إلى الحد الذي جعلها بطلة لرسوم غرافيتي في شوارع وسط المدينة. ربما لأن أداء مريم يركز أساساً على التعبيرية ويقدم «المسرحة» على «التطريب»، بل يخاصمه، تماماً كما يتجلى ذلك في أغانيها «سرعة الأيام»، «أنا مش بغني» و «وطن العك» (من ألحانها) و «إصلاحات»، «رباعيات شجر التوت (دنيا وكدب)» التي تتوحد فيها تماماً، وتبدو أقرب إلى ممثلة مونودراما تكشف عن خلطة من المشاعر المتناقضة تؤدى بطريقة تكسر «الإيهام» مع متلقي هذه الأغاني. وتشيع في بعض أغاني صالح حال من الأداء الكاريكاتوري الذي يقربها من قالب المونولوغ الذي شاع في الغناء المصري حتى ستينات القرن العشرين، وأهمل مع رحيل أبرز اعلامه إسماعيل ياسين وشكوكو (أعادت أداء أغانيه بخاصة حلو الحلو). لكنها لا تحصر هذا القالب في المغزى الاجتماعي كما هو متعارف عليه، إذ تميل به إلى فضاء الاحتجاج السياسي كما في أغنية «وطن العك» و «سرعة الأيام». وتبرز هذه الحال، خصوصاً في أسلوب استعادتها أغاني الشيخ إمام التي تقدمها في عروض ريبرتوار خاصة تكرسها بالكامل لأغاني ملحن الثورة وممثلها الرئيسي مثل أغاني «نيكسون بابا» و «فاليري جيسكار ديستان» وتعلي في أدائها من الصور الدرامية الساخرة في الأغنية، وهي خبرة اكتسبتها من العمل مع الفرق المسرحية التي ربطت منجزها بأبراز هذا الجانب الذي يذكر بما كان يسميه الراحل يحيى حقي «النزعة الكاريكاتورية» في أغاني سيد درويش، وهي نزعة استثمرتها مريم ببراعة جعلت من أغاني إمام معاصرة ولحظية، خصوصاً في أساليب توزيعها الجديدة التي قدمها تامر أبو غزالة وزيد حمدان. وعلى رغم تحفظات كثيرة تشيع في الوسط الغنائي المصري في شأن طريقة أداء صالح، إلا أن متلقي أعمالها سرعان ما يكتشف تورطه مع المؤدية حتى لو تحفظ عن طريقة الأداء، وهو تحفظ لا يدوم طويلاً لأنها سرعان ما تعود لتؤدي أغاني أخرى مثل «ليه تنربط»، «امشي على رمشي» و «طول الطريق» التي تتماهى فيها مع ريبرتوار الغناء المصري التقليدي وترتد عبرها مغنية تحترم التقاليد الغنائية السائدة سواء على صعيد الألحان أو الكلمات. وتنسجم في الأغنية مع الحال التطريبية العامة، إلا أنها تكشف في الوقت ذاته عن أفق غير تقليدي يتضح خلال أدائها أغنية «وحدي» التي تتداخل فيها حال القلق الوجودي مع الانكسار الشخصي والجروح العميقة. إنها أغنية تؤدى بالصراخ الذي لا يخلو من الشجن، أغنية أقرب إلى «وخز»، أو جرح شخصي لا يندمل يلفت النظر إلى هذه المغنية التي تجعل من النشاز نصاً يمكن التعايش معه، بل والاستمتاع به إلى حد التورط.