صعَّدت طهران خلال الأسابيع الماضية ضغوطها تجاه العراق، وخاصة ضد الأكراد، بعد أن استخدمت أكثر من ورقة ضغط تمثلت باستمرار قصف القرى الكردية بحجة ملاحقة مسلحي حزب «الحياة الحرة» (PJAK) المعارض، مروراً بقطع مياه نهر الوند عن قضاء خانقين، وأخيراً التهديد بمطالبة العراق بدفع تعويضات حرب الثمانينات. موجة التصعيد الايراني تزايدت بشكل ملفت مع اقتراب موعد انسحاب القوات الاميركية نهاية العام الجاري، والذي طالبت به إيران علناً طوال السنوات الماضية. ويواجه موقف الحكومتين العراقية والكردية الفاتر ازاء هذا التصعيد انتقادات حادة من قبل بعض السياسيين والحكومات المحلية في الاقليم، إذ وصفه بعضهم بأنه لا يرقى إلى حجم الاعتداءات الإيرانية، حيث اكتفتا بإعلان الإدانات، فضلاً عن إرسال البرلمان العراقي لجنة لتقصي الحقائق لمعاينة الخروق الإيرانية عند الحدود في إقليم كردستان وإعدادها تقريراً نفت فيه وجود خرق من قبل القوات الإيرانية للحدود العراقية باستثناء إقرارها بتعرض القرى الكردية إلى قصف مدفعي تسبب بمقتل وإصابة مواطنين فضلاً عن نزوح المئات من الأسر هرباً من القصف. وفي أحدث موقف رسمي إيراني تجاه الاتهامات بخرق السيادة العراقية، نقلت وكالة «مهر» الإيرانية للأنباء عن محافظ أذربيجان الغربية وحيد جلال زاده، قوله إن «المزاعم بدخول قوات إيرانية الأراضي العراقية للقيام بعمليات ضد زمرة بجاك هي مجرد اشاعات يبثها الأعداء». وقال إن «عمليات التصدي لهذه الزمرة سوف تستمر الى حين القضاء على آخر عنصر فيها، وإن قوات البيشمركة الأكراد كانوا في طليعة المتصدين لزمرة بجاك الى جانب قوات حرس الثورة الإسلامية». لكن الحكومة الكردية نفت مراراً وجود تنسيق مسبق مع الجانب الإيراني لشن الهجوم على مسلحي (PJAK)، أو أن يكون لهذا الحزب أي نشاط أو قواعد عسكرية داخل الأراضي العراقية. وقال المحلل السياسي ابراهيم الصميدعي، إن إيران تتجه بالفعل إلى فرض شروط كبيرة على الجانب العراقي وتستعد لما تعتبره ملء الفراغ بعد الانسحاب الأميركي، وإذا استمر الوجود الأميركي بشكل أو بآخر، فإن إيران تستعد لملفات الضغط على الأكراد العراقيين بشكل كامل دون مراعاة لأي طرف. وأوضح الصميدعي أن «هناك ثلاثة ملفات ايرانية -عراقية، وإذا كانت ايران تملك مبرراً لضربها القرى الكردية، بحجة أن جبال كردستان تشكل منطلقاً لحزب الحياة الحرة (PJAK) الذي يمكن أن يهدد الاستقرار بالتزامن مع ربيع الثورات العربية والذي يصعد من نشاط هذا الحزب، فهناك ملفين آخرين غير مبررين هما مطالبة إيران بتعويضات الحرب، وقطع المياه عن الاراضي العراقية. ويرى الصميدعي ان ملف حرب المياه الذي انخرطت فيه إيران بشكل كبير على مستويين، الأول قطع الروافد المائية المشتركة النابعة من إيران والتي تسبب تصحراً في أجزاء مهمة في العراق، ورميها النفايات والمياه الآسنة باتجاه الاراضي العراقية. فإيران بدلاً من أن تسمح بتدفق المياه وفقاً للأعراف الدولية، قامت بدفع نفاياتها والمياه غير المعالجة عبر الحدود العراقية ما يشكل مستنقعات مائية ضحلة داخل العراق. وفي أحدث تصعيد بعد قطع مياه نهر الوند عن قضاء خانقين التابع لمحافظة ديالى، اتهم سكان قرية «هوشياري» التابعة لقضاء بنجوين شرق محافظة السليمانية، الجانب الإيراني بقطع مياه نهر الوند عن قريتهم ما أجبرهم على النزوح. وكان ناشطون أعلنوا في شهر تموز(يوليو) الماضي عن تشكيل تجمع «من أجل الوند» لممارسة الضغوط على الجانب الإيراني لإعادة إطلاق مياه النهر من خلال قطع معبر المنذرية الحدودي ومنع دخول الشاحنات والمسافرين الإيرانيين إلى العراق. وفي تطور جديد، أعلن البرلمان الكردي عقد جلسة استثنائية لمناقشة استمرار القصف الإيراني للقرى الكردية الحدودية، تلبية لمذكرة وقَّع عليها 38 نائباً في البرلمان، فيما أعلنت 40 منظمة مدنية عراقية وكردية عن إطلاق مبادرة «من اجل الوند» للوقوف على تداعيات قطع المياه واستمرار القصف الإيراني للقرى الكردية الحدودية، من خلال الاطلاع على الأوضاع الإنسانية للمتضررين، داعية الحكومتين العراقية والكردية إلى اتخاذ موقف «أكثر صرامة» وتعويض المتضررين من القتلى والجرحى والنازحين الذين بلغ عددهم نحو 700 شخص في قضائي جومان ورانيه الحدوديان، ودعا التجمع المواطنين والمؤسسات إلى مقاطعة المنتجات الإيرانية. ووصف عضو المبادرة الناشط المدني هوكر جتو أوضاع النازحين من القرى الكردية الحدودية بأنها «مزرية». وقال ل «الحياة» إن «المنظمات الإنسانية واجهت صعوبة توزيع المساعدات بسبب عدم تمركز النازحين في منطقة محددة وتشتتهم في بقع متعددة». من جهة أخرى، قال رئيس تحرير مجلة «نما» الفكرية الصادرة باللغة الكردية جمال بيره ل «الحياة»، إن إيران تريد أن تظهر بأن التغييرات والثورات الجارية في المنطقة لا تعنيها وستكون بعيدة عنها، وهي تسعى لاستغلال ضعف بلدان المنطقة، كي تثبِّت أقدامها كقوة فاعلة ومؤثرة. ويرى بيره أن طهران «لا تخشى نشوب أزمة سياسية واجتماعية مع بغداد، نظراً للتقارب الواضح في العلاقات بين الحكومتين، إذا لم نقل إن حكومة بغداد تابعة إلى حد كبير لإيران، وهذا واضح من صمتها تجاه الاعتداءات الراهنة». ولفت بيره إلى أن ايران لديها علاقات سياسية واقتصادية ودينية كبيرة مع العراق، وهو بلد محوري ومهم بالنسبة لها، حيث العتبات المقدسة لدى الشيعة إلى جانب العلاقات المتميزة التي تربط إيران بالأطراف السياسية العراقية، خاصة الشيعية، ما يعد ضماناً لمستقبل مصالحها مع العراق. وبحسب بيره، فإن الحل الأمثل هو استخدام الوسائل الديبلوماسية، وإرسال وفد عراقي يطرح جميع القضايا الآنفة بشكل صريح ومن دون محاباة.