على رغم أن التوسعة الحديثة للساحات الشمالية ستشهد تحولاً كبيراً في البنية التحتية لمكةالمكرمة وتطوراً مذهلاً للخدمات المقدمة لزوارها ومهوى أفئدتهم، إلا أنها في الوقت ذاته ستكون شاهداً حياً على نهاية حقبة زمنية مهمة لأحياء وحارات مكية عتيقة عاشت ردحاً من الزمن، ورصدوا من خلالها أمداً بعيداً لذكرياتهم وفواصل حياتهم الاجتماعية المختلفة. ولن يعرف أبناء الجيل الجديد أحياء الشبيكة والشامية والمدعى وسوق الليل، والقشاشية، وغيرها من الأحياء التي غيبها المشروع الجديد، وإنما سيكتفون بالاستماع إلى الروايات والقصص القديمة، من بطولات ومشاهد تلك الأحياء العتيقة، التي كانت يوماً من الأيام رمزاً من رموز مكة لا يمكن التخلي عنها أبداً. وأكد ساكن «الشامية» أحد الأحياء التي ذهبت في مصلحة المشروع سليمان عطوة إن اختفاء حيّه وغيره من الأحياء ليس بالأمر الهين على نفسه وأنفس أهله، ولكنه يبقى ضئيلاً أمام خدمة زوار بيت الله الحرام وقاصديه، مشيراً إلى أنه لا يمكن أبداً أن ينسى أيام طفولته وصباه التي عاشها في أزقة تلك الأحياء وما تعلمه منها، من حب الخير ومساعدة الناس والتواصل والتكافل الاجتماعي. وينتاب غالبية أهل مكة هذه الأيام شعورٌ خفي مفاده أن أحياءها الشعبية والقديمة في طريقها للغياب والتواري عن مشهد المدينة العام، ويؤجج هذا الشعور وينميه، ذاك الاختفاء الرهيب لأحياء عتيقة ضربت بتاريخها في جذور العمق المكي، لم يكن أحد يحلم أو يتوقع في يوم من الأيام أن تغيب عن الذاكرة، بعد أن ضربت حركة التشييد والبناء فوق جدرانها. وغير بعيد عن ذلك الساكن ومشاعره، لفت ساكن حي النقا عمر الهيج إلى أن العيش في الأحياء السكنية الجديدة، لم يغير من حبنا لأحيائنا العتيقة بطيبها وعبق رائحتها، وقال ل«الحياة» «لو سألتني عن هذا الحي، فمن أين أبدأ لك وأتكلم، هل أتحدث لك عن أيام الطفولة، ولهونا على المراجيح، وقفزنا بين الأحواض والنوافي، وركضنا البريء بين الأزقة والشعاب؟، أم هل أحكي لك عن فورة الشبان، وكيف نقضي ليالي رمضان، وأمسيات العيد السعيد؟ وكيف كانت جولات المزمار، وصولاته تدق كل شبر من أشبار الحي بعنفواننا وحماستنا، وحبنا لكل معاني الأصالة، والشهامة، والرجولة الحقة».