مجرد الاقتراب منه يعني الجلوس أمام نافذة تطل من خلالها على تاريخ الأحياء القديمة المقابلة للحرم المكي.. وما إن تبدأ الحديث معه حول تلك الأحياء من طقوس وعادات وملامح وضجيج يبادرك العم حسن صبياني بعينين تغتسلان بحنين الماضي وذكريات الشباب. بلباسه المكي التقليدي يجلس العم حسن صبياني منذ أكثر من 60 عاما داخل مطعمه الذي تنقل بفعل توسعات ساحات الحرم من سوق الليل إلى القشاشية وأخيرا إلى النقا. يخلد الكثير إلى الراحة ويترك بعضهم تلك الأعمال ويظل الصبياني متشبثا بدكانه العتيق وصنعته القديمة، لأنه يشعر أنه من خلالها يلتقط الأنفاس ليعيش بلا منغصات. يقول: كثيرة هي العادات في أسواق مكة في استقبال سيد شهور العام منها انتشار الأهازيج الشعبية مثل «ودعناك يا شعبان.. مرحبا بك يا رمضان»، فقد كانت أسواق سوق الليل وسويقة والجودرية والقشاشية تفيض بأهل مكة بادية وحاضرة وهي تقع أمام الحرم المكي، حيث نشط هذه الأسواق بعد صلاة العصر إلى قبل وقت الفجر، وأضاف: وأذكر أن شوارع مكة كلها غير معبدة وكان آخر نطاق عمراني هو مقابر المعلاة، حيث كانت تقوم بلدية مكة برش المياه يوميا عبر عشرات شاحنات نقل الماء لتجاوز موجات الأتربة. أما مطاعم مكة فيكفي أن أقول إنها متواضعة فهي لا تعرف الكهرباء والثلاجات، فيما كنا نضع الزير والشراب وهي قوارير فخارية نحفظ فيها الماء أمام باب المطعم وأذكر أن أقدم معلم في مطاعم مكة هو سيد فياض وحكمت فياض، وكان مطعمهما أمام باب النبي، كما أذكر أن هناك متعهدين للكهرباء بأسواق الحرم هما باحمدين والخاشقجي، حيث تمد الأتاريك داخل الأزقة والممرات التي تكتظ بالمتسوقين من أهل مكة، حيث كنا لا نعرف المعتمرين من الخارج إلا في موسم الحج. وأضاف الصبياني: أما الحرم المكي فكان مظلة لالتقاء أهل مكة، وأذكر أنه لم يعرف البلاط أو الرخام فكانت أغلب أجزاء المطاف من الحصوة التي تنتشر عليها شراب زمزم، فيما كان الأذان يرفع من فوق المآذن حيث لم تعرف مكبرات الصوت في ذلك الوقت، وكانت حلقات الشيخين حسن مشاط وعلوي مالكي تجتذبان الزوار. ويستعيد العم الصبياني ملامح الصوم في الحي الذي يسكنه وهو حي الحجون في مكةالمكرمة، ويقول: كنا ننام فوق أسطح المنازل بعد أن نطفي الفوانيس فلم نكن نعرف الكهرباء وما إن تشرق الشمس ندخل إلى الغرف السفلية لنبل الأغطية بالماء ونواصل النوم إلى قبل صلاة الظهر ثم نذهب إلى أعمالنا. ويذكر الصبياني أن سفرة الإفطار في ذلك الوقت لا تخرج عن القشطة والفول البلدي مع السمن البري والشربة، ويذكر أن طريق الحجون الذي يعتبر اليوم من أقدم شوارع مكة افتتح عام 76ه بعدما كان جبلا شاهقا يحجز أحياء العتيبية عن الحرم المعابدة.