لم ينه اتفاق الكتل السياسية في العراق على تقديم مشروع قانون «مجلس السياسات العليا» إلى البرلمان الأزمة التي أثيرت حوله طوال الشهور التسعة الماضية. ولا يبدو أن إتمام القراءة الأولى للقانون تشير إلى إمكان إقراره قريباً، في ضوء تهديد نواب كتلة «دولة القانون» باللجوء إلى المحكمة الاتحادية للطعن في دستوريته. وكانت الكتل السياسية الأربع الكبيرة اتفقت في الاجتماعات التي رعاها رئيس الجمهورية جلال طالباني على تقديم مسودة القانون إلى البرلمان غير أن المسودة أثارت حفيظة نواب اعتبروا الكثير من مواد القانون مخالفة للدستور في مقدمها إلزامية قرارات المجلس «عند حصول قراراته على نسبة 80 في المئة من أصوات أعضائه»، أي انه سيملك سلطة جديدة تضاف إلى سلطات البلاد الثلاث. وأثارت المادتان الخامسة والسادسة من القانون جدلاً واسعاً حول صلاحيات المجلس وتدخله في عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية، إذ تشير الأولى إلى «تقديم المقترحات الخاصة بالتشريعات المهمة وفق السياقات الدستورية ومناقشة الاتفاقات والمعاهدات الاستراتيجية المرتبطة بالأمن والدفاع وسيادة البلاد وإبداء الرأي». أما الثانية فإنها تخص صلاحيات المجلس التنفيذية، منها «قضايا المصالحة الوطنية واتخاذ القرارات بشأنها وتوحيد الرؤى في إدارة الملفات الاستراتيجية في مؤسسات الدولة العليا الاقتصادية والأمنية والخارجية والخدمية والطاقة وغيرها لتحقيق الانسجام ووحدة سياسة الدولة في استكمال مهماتها التنفيذية». وقال النائب عن «ائتلاف دولة القانون» سعد المطلبي في تصريح إلى «الحياة» إن «مسودة القانون تجعله مجلساً تنفيذياً وتشريعياً ينافس الحكومة والبرلمان «. وأضاف أن «المسودة تم إرجاعها إلى اللجنة القانونية لتعديل بعض فقراتها التي تبين عند القراءة الأولى أنها تخرق الدستور وتشكل خطراً على مستقبل البلاد». واتفق الخبير القانوني طارق حرب مع هذا الرأي وقال ل «الحياة» إن «مسودة القانون تخالف الكثير من المواد الدستورية كونها تجعله رئيساً فوق رؤساء الجمهورية والوزراء والإقليم كما أنها تنمح صلاحيات الحكومة والبرلمان للمجلس وتحدد له موازنة مالية وسكرتارية وأمانة عامة من دون نص دستوري يسمح بذلك». وأشار إلى «خلو مسودة القانون من توضيح يتعلق برأس الهرم على المجلس، إن كان رئيساً أو أميناً عاماً إذ تقول المادة الثامنة من مسودة القانون إن المجلس يتكون من رئيس الجمهورية ونوابه ورئيس مجلس الوزراء ونوابه، ورئيس مجلس النواب ونائبيه، ورئيس إقليم كردستان، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، فضلاً عن عضوين من كل الكتل الرئيسية الأربع فقط ولا تشير إلى رئيس المجلس». حرب توقع أن تعلن «المحكمة الاتحادية» عدم دستورية المجلس في حال نفذ نواب «دولة القانون» تهديدهم بإحالته عليها، وقرارها إلحاق الهيئات المستقلة بمجلس الوزراء. وترد «القائمة العراقية» التي من المفترض أن يرأس زعيمها اياد علاوي «مجلس السياسات» أن «المجلس سيكون نقطة التوازن في حل المشاكل التي تعترض العملية السياسية في العراق، ووضع منهج المصالحة الوطنية ورسم خطط الدولة وستكون قراراته نافذة بعد التصويت عليها داخله من الكتل الممثلة فيه وسيتم تحديد نسبة التصويت في اتخاذ القرارات لتكون ملزمة». وقال المستشار القانوني للقائمة هاني عاشور إن «المجلس سيكون سنداً موازياً لعمل الحكومة ومساعداً في تحقيق الاستقرار، ورقيباً على الإخفاقات في إدارة الدولة، يتعاون مع الحكومة في إصلاحها»، مبيناً أن «الحديث عن تقاطع بينه والحكومة والرئاسات الأخرى، لا صحة له ، لأن عمله سيكون موازياً للخطط الحكومية». وكان «التحالف الوطني» اشترط بعد اجتماع دوري لمكوناته أن يكون تشريع قانون المجلس الوطني للسياسات العليا غير مخالف لبنود الدستور. وأفاد بيان للمكتب الإعلامي لرئيس التحالف إبراهيم الجعفري إن المجتمعين اتفقوا على «تشريع قانون المجلس الوطني للسياسات العليا من حيث المبدأ شرط عدم مخالفته بنود الدستور والحفاظ على مبدأ الفصل بين السلطات وضمان عدم سلب صلاحيات الدولة». ويرى مراقبون أن الوصول إلى قانون لمجلس السياسات العليا يحظى بقبول الفرقاء في العراق أمر في غاية الصعوبة وقد يستغرق مزيداً من الوقت والنقاش بخلاف ما كان متوقعاً بعد الاجتماع الذي جرى في منزل رئيس الجمهورية.