كما يسود الاحتقان مناحي كثيرة في حياتنا هذه الأيام نراه ماثلاً كذلك في الأوساط الفنية. يساعد على التعبير عنه وجود عدد كبير من الفضائيات التي لا هم لها سوى البحث عن أطرافه بغية جذب أكبر عدد من المتفرجين والإعلانات من دون الالتفات إلى أن قوة الدفع هنا، قد تأتي بالخسارة على الجميع. وإذا ما بحثنا عن أطراف الاحتقان – فنياً - عبر الفضاء العربي «المدلل»، وبخاصة في شهر رمضان الذي تكثر فيه استضافات الفنانين والفنانات، سنجد أصداء لها في حوارات كثيرة ينشد أصحابها التعبير عن أنفسهم وأحياناً بلغات غير مفهومة، ولا سيما من قبل أشخاص شكلوا في الماضي سيرة ناصعة، ويصبح بالتالي أي خروج هنا عن هذه السيرة مسيء إليهم أكثر مما هو مسيء للطرف الآخر الذي لا يبدو مهتماً كثيراً بما تحوكه من حوله الفضائيات نفسها. ربما نجد في برنامج «فاصل على الهواء» الذي تبثه قناة «المحور» ضالتنا في الحوار الذي أجرته ريهام سعيد مع الملحن المصري المعروف حلمي بكر وقد بثته أخيراً. إذ يبدو حديث هذا الملحن المميّز عن المغنية أصالة مفعماً بالاحتقان الشخصي الذي لا يمت بصلة إلى تاريخه الفني، وبخاصة حين ينطلق بالحديث عنها بلغة جارحة ومسيئة ليست مناسبة للتعبير عن حالته هو، وقد سبق له واكتشف خامات صوتية مهمة في تاريخ الغناء العربي، وقدم بعضاً من أفضل الألحان، وكان على بعد مسافة قصيرة من التلحين للسيدة أم كلثوم لولا وفاتها. إذن، يستند بكر إلى تاريخ مشرف ومضيء لا يجوز أن يأتي عليه بتصريحات تلفزيونية مخلة، لا علاقة لها بالنقد الفني كقوله: «أصالة جاءتني بشبشب وأنا من أطلقت شهرتها». وبالتأكيد لن ينتظر «شهريار الفن» كما يلقب بكر أن تغادر المغنية المعروفة عالم الغناء بالشبشب ذاته، إذ لا يعود مجدياً مثل هذا الكلام، وهو لا يقدم أو يؤخر لو أطلق مثلاً على بدايات عبد الحليم حافظ، أو على بداياته هو حين تخرج من المعهد الموسيقي وقام بخداع ليلى مراد لتغني لحناً من ألحانه وكانت قد اعتزلت الغناء منذ مدة، وانتشرت الأغنية عبر الإذاعة المصرية بصوتها رغماً عنها وحظي هو بشهرة لم يكن يحلم بها. وبالطبع لا يقف حلمي بكر هنا، إذ سرعان ما ينتقل إلى الحديث عن زيجاته التسعة، والتي «بفضلها» حصل على اللقب السعيد الآنف الذكر، وهو يتحدث عن «طلاقاته» بسعادة غامرة لا يمكن تفسيرها إلا من باب التفريج عن هذا الاحتقان الذي يسود عالم الفن المرتبك، حتى أنه يغامر بالحديث عن استعداده للزواج من فتاة صغيرة (هو من مواليد 1937)، إذ إنه لا يشعر بنفسه عجوزاً البتة، وإن كان هذا أمراً شخصياً بحتاً لا يجوز الوطء فيه، إلا أن «شهريار» لا يفوته أن يهاجم في الحوار نفسه المغني الشاب تامر حسني من الباب ذاته، حين يتهمه باستخدام عبارات خارجة عن الذوق العام بإيحاءاتها، ويدعوه أن يكف عن استخدامها حتى يترك «وقتاً لنا لنربي أولادنا». من المؤكد أن الفضائيات بوسعها أيضاً أن توفر للملحن حلمي بكر الشبشب نفسه الذي قاد أصالة نصري إليه، ليغادر نحو النسيان، وربما بوسعه أن ينقذ ما يمكن إنقاذه، إن وجد مناخاً للتفريج عن العلّة يناسب سيرته العطرة.