اعتاد أهالي المدينةالمنورة في شهر رمضان تنظيم «موائد الرحمن» مصطفة بين حنايا المسجد النبوي وفي كل شبر فيه، يتسابقون على مدها، كل يبغي احتواء الخير بين أطرافها وعلى امتداد جنباتها، حتى يجتمع الناس قبل أذان المغرب لتناول طعام الإفطار. وما إن يفرغ المصلون من صلاة العصر طوال شهر رمضان حتى تتحول أرضيات وساحات وأسقف المسجد النبوي إلى سفر إفطار سريعة يتسابق لإعدادها سكان المدينة لأسرهم وللصائمين القادمين من أنحاء العالم كافة. وجرت العادة لدى أهالي المدينةالمنورة على وضع موازنة مالية مقررة لموائد الإفطار ثم يوزع المبلغ المقرر على أعضاء المجموعة المشاركة فيها بحيث تتساوى المبالغ ثم يقومون بشراء الحاجات قبل رمضان. وعند دخول الشهر يشارك الجميع في دعوة الضيوف وتجهيز السفرة ورفعها من الموقع، وسط تنافس شديد على الكرم، وتمسك الأبناء بما اعتاده الآباء، إلى درجة وصل فيها عمر بعض السفر أكثر من نصف قرن لعائلة واحدة، فيما يقوم بعض المحسنين بتقديم وجبة سحور في العشر الأواخر من رمضان بعد صلاة التهجد خارج المسجد النبوي الشريف. وتحرص الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف على تقديم التسهيلات لإقامة تلك السفر، وإدخال التحسينات على تنظيمها، إذ رفعت من وتيرة استعداداتها لخدمة وتنظيم حركة الآلاف ممن اعتادوا على الإفطار اليومي في المسجد النبوي، وسمحت للقائمين على هذه السفر بإدخال الأطعمة عقب صلاه العصر مباشرة، ووزعت مواقع إفطار الرجال داخل المسجد النبوي الشريف وسطحه، وفي الساحات الشمالية والغربية والشمالية الغربية، وخصصت موقعاً لإفطار النساء في الساحة الغربية للمسجد، وثلاثة مواقع في الساحة الشمالية. ويقول ناصر حلبي إن لمائدة رمضان ذكرى جميلة عنده، فهو شاهدٌ عليها كل عام في المسجد النبوي الشريف منذ 20 سنة. وأشار إلى أنهم في إعدادهم لهذه الموائد ينشدون الأجر ويحركهم حب عمل الخير، لافتاً إلى أن جميع الأهالي، وحتى المقيمين فيها من عرب وعجم حريصون على هذا العمل الإنساني في رحاب المسجد النبوي الشريف. ويؤكد سليمان عينوسة أن السفر الرمضانية أصبحت علامة للعمل الخيري في طيبة الطيبة، ومعظم الأهالي يحبون أن تكون لهم سفر رمضانية داخل المسجد النبوي حتى يجد الصائم المصلي في المسجد ما يبلل به ريقه. وقال عادل رشوان إن السفرة الخاصة بأسرته الكبيرة تكلف طوال الشهر حوالي عشرة آلاف ريال، «غير أن هذا لا يهم، أهم شيء هو أن يقبل الله عملنا فهو لوجهه الكريم، وهي عادة ورثناها عن آبائنا وأجدادنا الذين سنوا هذه السنة الحسنة». ولفتت زين جعفر (إحدى المقيمات العربيات في المدينة) إلى أن منظر السفر الرمضانية، واستقبال الأهالي عند أبواب المسجد النبوي الشريف وترحيبهم بالزوار والحرص على مشاركتهم طعام الإفطار يعطي صورة صادقة عما يحمله أهالي طيبة من محبة وتقدير لزوار المسجد النبوي، «وهي صورة حسنة يجب أن نقدمها عن الإسلام بأنه دين محبة وتعاون وألفة». وتقول سهام العربي من تونس إنها المرة الأولى التي تصوم فيها رمضان بالمدينة، مبدية حرصها على تناول إفطارها على هذه السفر، فهي تقضي جميع صلواتها في المسجد.