توافد أكثر من رُبع مليون مسلم ومسلمة للإفطار داخل ساحات المسجد النبوي، ويميز هذا الإفطار الجماعي تجمع المسلمين من مختلف الجنسيات والبلدان على سفرة واحدة يأكلون ويشربون في وقت واحد ويتوقفون في وقت واحد، ومن ثم يتعاونون كلهم فقيرهم وغنيهم وكبيرهم وصغيرهم على رفع السفر وتنظيف المكان في وقت سريع جدًا لايتجاوز دقيقتين، وقد خصّصت رئاسة الحرم النبوي أماكن محددة لإفطار الرجال وأماكن لإفطار النساء وترك ممرات عامة لوصول المصلين إلى الحرم وممرات داخلية لحركة الصائمين بين السفر، وروعي أن يكون اتجاه مدّ السفر من الشرق إلى الغرب لتيسير الصلاة لمن أراد أن يصلي في الموقع، والمشهد يتكرر بشكل يومي، حيث يبدأ مبكرًا سباق إفطار الصائمين في ساحات الحرم سباق لكسب أجر (إفطار صائم)، فقد توارث أهل المدينةالمنورة سباق حجز أماكن مدّ سفر الإفطار في ساحات الحرم الداخلية والخارجية قُبيل دخول الشهر الفضيل، حيث يقوم الأغنياء والفقراء في هذا السباق على إفطار الصائمين كلاً بما يستطيع، حيث تمتد آلاف السفر على طول الساحات الخارجية للمسجد النبوي، التمر والشريك والزبادي والدُقة والقهوة والشاي، ويقدم في بعض السفر بساحات المسجد النبوي الأرز واللحوم والفاكهة، وتنوعت أشكال إفطار الصائمين بالمسجد النبوي الشريف باعتبار أن المعتمرين والزوار القادمين من الخارج يكثرون فيها، وفي حوار «للمدينة» مع منير بخش المشرف على إحدى الموائد الرمضانية بداخل المسجد النبوي والذي يعمل على الإشراف منذ أكثر من خمسة عشر عامًا، قال: يتسابق أهالي المدينة وزوارها وبعض المؤسسات الأهلية يدفعهم إلى ذلك حب الخير والواجب الاجتماعي في استضافة زوار الحرم النبوي الشريف، وتحتل هذه الموائد مكانة خاصة في تقاليد وأعراف سكان المدينةالمنورة، وموائد إفطار الصائمين في الحرم النبوي الشريف تعدّ أكبر مائدة متصلة في العالم، وتتكون مائدة إفطار الصائم داخل الحرم النبوي من التمر والماء والشريك والقهوة والزبادي ونوع من البهارات يطلق عليه اسم (الدُقة) مؤكدًا حرص الأسر المدينية على مختلف طبقاتها بالمساهمة في إقامة موائد إفطار صائم، معتبرًا أن القيمة الحقيقية لهذا العمل التطوعي تكمن في المشاركة العملية فيه بالوجود من وقت مبكر وشراء مستلزمات المائدة ودعوة الصائمين لها، لافتًا إلى أن المردود الفعلي لهذا العمل إضافةً إلى حصول الأجر الرباني هو عبارات الشكر والدعاء التي يستمع إليها صاحب المائدة من ضيوفه على الإفطار، ويعدّ اليوم الأول من شهر رمضان هو الحدّ الفاصل بين القدرة على الحصول على مساحة داخل المسجد النبوي لإنشاء مائدة تفطير الصائمين من عدمه، وقد ازداد عدد الزوار للمسجد النبوي الشريف عن الأعوام الماضية وأصبحت ساحات الحرم بعد الانتهاء من مشروع المظلات تمتلئ بالمصلين مبكرًا والقادمين لتناول الإفطار من المقيمين والسعوديين. أمّا خالد عبدالمغني والذي يعمل على تجهيز القهوة لأصحاب السفر الرمضانية بالمسجد النبوي منذ أكثر من عشر سنوات قال امتهن هذه المهنة منذ سنوات وأحرص على تجهيز القهوة العربية للصائمين بالمسجد النبوي مع أحد أصحاب السفر الممتدة في ساحات الحرم النبوي، فالقهوة رفيق للتمر وإفطار الصائم ولا تخلو منه سفرة إفطار الصائم فالقهوة أساسية للسفرة، وكما تحدث لنا أحد الشباب والذي فضّل عدم ذكر اسمه يقول: أنا اقوم بعمل خير اكتسب أجره من رب العباد، واعتدنا على التفرغ طيلة أيام الشهر الفضيل من أجل الإعداد لسفرتنا في ساحات الحرم النبوي، أمّا محمد بكر يقول: إنه يقوم بهذا العمل منذ ستة عشر عامًا دون إنقطاع حيث أتواجد يوميًا من بعد صلاة العصر لإعداد السفرة ودعوة الصائمين إلى مشاركته فيها، وأبدأ بالاستعداد لإقامة هذه المائدة بتجهيز ميزانية خاصة قبل بداية شهر رمضان للاحتفاظ بهذه المائدة وأضاف إن تفطير الصائمين داخل المسجد النبوي لا ينتهي عند حدود تجهيز مائدة الإفطار بل يتطلب جهدًا تسويقيًا لضمان استضافة أكبر عدد من الصائمين، ويبدأ التسويق لهذا الأمر من خلال اختيار موقع مميز لهذه المائدة والحرص على جعل مكوناتها مختلفة عن غيرها من خلال إضافة المكسرات والأجبان.. كما تحدث أحد الذين يقدمون وجبات إفطار صائم بالمسجد النبوي إلى الخير الكبير الذي يعود على المسلم عند مشاركته البسطاء إفطارهم وتبادل أطراف الحديث معهم من دون قيود، موضحًا أن الشهر الكريم لا بد أن يكون شهر خير يعم الجميع من دون استثناء. يُشار إلى أن السعوديين كبارًا وصغارًا، رجالاً ونساء، اتجهوا خاصة في الشهر الحالي إلى مشاريع إفطار الصائمين تيمنًا بالحديث النبوي الشريف (من أفطر صائمًا فله مثل أجره).