شابان بريطانيان مسلمان من أصول غير بريطانية قاما بتلطيخ وجوه نساء تظهر في إعلانات عدة بالطلاء الأسود، لأن النظر إليهن يعتبر خطيئة في الإسلام، فقضت المحكمة الجزائية في لندن بتغريمهما وحبسهما سنة مع إيقاف التنفيذ، فماذا لو أن شابين بريطانيين مسيحيين يعيشان في إحدى بلادنا الإسلامية، ثم قاما بأعمال تتعلق بحرية الإنسان والمعتقد التي كانا يمارسانها في بريطانيا، فإذا قبض عليهما كانت الحجة «لأنه مسموح به في بلادنا، وهذا ما تؤمن به ديموقراطيتنا»! أليس جوابنا السريع والحاسم في هذه الحالة سيكون: يمكنك أن تمارس قوانين بلدك الأم في موطنك الأصلي الأم، أما هنا فعليك الالتزام بقوانين البلد الذي أنت على أرضه. هذا هو جوابنا ولا نُلام عليه، فما بال الأمر اختلف حين أصبحت في بلادهم؟ هل لأنك تختبر ديموقراطيتهم، ثم وعند أول احتجاج منهم، تصيح بصوتك انظروا: «هذه بلاد الحريات لا تسمح بالحرية؟». حسناً! أيها الغيور فلترجع إلى وطنك الذي أتيت منه، وتمارس ما يمليه عليه دينك، فربما قوانين وطنك تفهمك فتنصفك، أمّا أن تكون قد هربت من لظى الفقر والقمع والكرامة المفقودة في وطنك، وأتيت بلادهم لاجئاً خائفاً تترقب، فلما قبلوا بك وأصبحت من مواطينهم، لك ما لهم وعليك ما عليهم، فإذا اطمأننت على حالك وأوضاعك، وعاد إليك هدوؤك، فكرت ثم دبرت في إقامة الحدود وتطبيق القوانين الإسلامية في بلد أراق الدماء وأهدر السنين ليقيمها مدنية خالصة، فكل ما ستنتهي إليه هو السجن ودفع الغرامات المالية. أمّا البلد المضيف فحتماً سيأتي عليه يوم وتحدّه، ليراجع قوانينه في الديموقراطيات، فأن يعزم إسلاميون متطرفون على تأسيس مناطق في بريطانيا خاضعة للشريعة الإسلامية وفق صحيفة ال «ديلي ميل» البريطانية، فهذا ما لن يقع، فأنت لك أن تدعو الآخرين إلى دينك، ويعتبر جهادك في نشر الدعوة، ولكن أن تقفز إلى تغيير القوانين التي نص عليها الدستور البريطاني، فالمسألة عائدة إلى موافقة البرلمان (الذي تعديت على اختصاصاته) وليس إلى قرارك الشخصي، وإن أصبحت مواطناً بريطانياً. بزيارتنا بريطانيا بصفتنا الصحافية الخليجية الشهر الماضي كانت «أمانة معاذ الخيرية» (أسست عام 1990 بأموال يمنية ثم بدعم الحكومة البريطانية المالي والمعنوي) في مدينة بيرمنغهام البريطانية إحدى محطاتنا للتعرف إلى مسلمي بريطانيا، الأمر الذي أتاح لنا جلسة نقاش واسعة مع أفراد من الجالية المسلمة والمتحدّرة من أصول مختلفة، وما لفتني وسمعته ولم أخطئه نبرة من التذمر غير المبرر، إن بسبب بعض القوانين البريطانية أو بغيرها، وقد تحدثت إلى أحدهم وكان يمني الجذور، وبسؤالي عن حياته ومعيشته ومدارس أولاده والقائمة بالتأمينات والهيئات التي تعنى بشؤونه، دار في خاطري تساؤل مختصر وبسيط: ماذا لو أن هذا الإنسان لا يزال يعيش في اليمن؟ وعليك التخيل، من أول احتجاجه في ساحات التغيير إلى آخر انتمائه إلى إحدى الحركات المتطرفة؟ أما الزوجة والأبناء فحقوقهم المهدورة لا تكفيها مقالة. في مقابل هذه الصورة التعسة ألا يجوز لنا أن نمرر لبريطانيا بعض الثغرات والتحيّزات؟ فأنا لا أفترض أن كل من تذمر قد بالغ، ولكن أعلم أيضاً أن المقارنات لم تخلق عبثاً، ولنحسبها وبصدق! فلا يوجد على الأرض نظام كامل ولا عدل كامل، ودائماً هي الأمور نسبية، فإن حصلت على نسبة أكبر من الإيجابيات، وكانت الأهم في برنامج أولوياتك من السلبيات، فإذاً أنت في مكانك الصحيح واختيارك الذي تتحمّل مسؤوليته، بولائك الذي حلفت اليمين لتحصل على جنسية أرضه، ولك أن تجمع بين الحسنيين، إن بتقيدك بدينك ووفائك لجواز سفرك الذي ارتضيت، أو بأحلى ما في أصولك ويناسبك، وأحلى ما في وطنهم ويعجبك، ولكن بشرط أن تحترم قوانينهم وحقوقهم، فإن لم تفعل، فلا تتوقعهم أن يفعلوا، ثم إذا كانت الديموقراطية العربية هي في رهط من الجياع الحفاة يمنحون امتيازاً شهرياً لرهط آخر من الثراة والعتاة، فهل ترانا الأنسب لنتأفف من الديموقراطية البريطانية؟ [email protected]