سيكون مشهداً استثنائياً يعيشه المصريون أن يمثل رئيسهم السابق حسني مبارك أمام هيئة المحكمة اليوم لمساءلته في اتهامات عدة وجهتها إليه النيابة العامة، في مقدمها التحريض على قتل المتظاهرين السلميين أثناء ثورة 25 يناير. وعلى رغم الغموض الذي يكتنف أمر حضور مبارك من مستشفى شرم الشيخ إلى القاهرة للمثول أمام المحكمة، إلا أن تصريحات رسمية أكدت حضوره، وأن ترتيبات المحاكمة تأخذ في اعتبارها حضوره مع نجليه جمال وعلاء ووزير الداخلية السابق حبيب العادلي وكبار مساعديه في محاكمة تستحق لقب «محاكمة القرن» التي استعدت لها السلطات بإجراءات أمنية مشددة يشارك فيها آلاف الجنود من الجيش والشرطة ومئات الضباط الذين يشرفون على نقل نجلي مبارك والعادلي ومساعديه من سجن مزرعة طرة ونقل مبارك من شرم الشيخ في طائرة عسكرية، تهبط به في مطار ألماظة العسكري أو مقر أكاديمية الشرطة في ضاحية التجمع الخامس على أطراف القاهرة التي جُهزت إحدى قاعاتها لاستضافة المحاكمة من خلال إقامة منصة للقضاة في مقدمة القاعة وقفص حديدي في أحد أركانها للمتهمين. وصدرت أوامر من رئيس المحكمة المستشار أحمد رفعت في ضوء توصيات أمنية بمنع دخول أية أجهزة إلكترونية إلى قاعة المحكمة بما فيها أجهزة التسجيل والتصوير والهواتف المحمولة وتركيب بوابات إلكترونية متعددة لكشف المعادن وأجهزة للكشف عن المتفجرات أمام مداخل أكاديمية الشرطة وممراتها. ويحاكم مبارك في اتهامات عدة أسندتها إليه النيابة العامة. وجاء في قرار الاتهام أن مبارك والعادلي و6 من مساعديه شاركوا بطريقي الاتفاق والمساعدة في ارتكاب جرائم قتل المتظاهرين عمداً مع سبق الإصرار. كما يحاكم مبارك ونجلاه علاء وجمال وصديقه رجل الأعمال (الهارب) حسين سالم عن اتهامات تتصل بالفساد المالي والاعتداء على المال العام والإضرار به بصورة متعمدة واستغلال النفوذ الرئاسي لدى مؤسسات الدولة لتربيح الغير من دون وجه حق والحصول على مكاسب مادية. ومعروف أن المحاكمة الجنائية تستوجب حضور المتهم شخصياً أمام المحكمة ولا يجوز له توكيل من ينوب عنه، وإذا تغيب يجوز للمحكمة إصدار حكم مشدد ضده في أولى جلساتها، لكن يحق للمتهم أن يتغيب عن جلسة المحكمة في حال أثبتت التقارير الطبية عدم قدرته على المثول أمام هيئة المحكمة. والجلسة الأولى التي تشهدها المحاكمة الجنائية، جلسة إجرائية تبدأ بإثبات المحكمة لحضور المتهمين داخل قفص الاتهام، على أن يليها سماع بيان الاتهامات المسندة إلى كل متهم، الذي يتلوه ممثل أو ممثلو النيابة العامة، ويطالب في ختامه بتوقيع أقصى العقوبات المنصوص عليها قانوناً في ضوء بنود الاتهامات، وتصل العقوبة القصوى في الاتهامات المتعلقة بقتل المتظاهرين إلى الإعدام شنقاً أو السجن المؤبد. ويترقب المصريون بشغف أول إطلالة لرئيسهم السابق منذ تنحيه في 11 شباط (فبراير) الماضي، إذ ستبث وقائع المحاكمة على الهواء مباشرة عبر التلفزيون الرسمي. ومن المتوقع أن يسعى مبارك إلى دحض الاتهامات وأنه لن يفوت الفرصة للحديث «عمَّا قدمه للبلاد حرباً وسلماً». كما ينتظر أن يسعى إلى كسب تعاطف المصريين مثلما فعل في خطابه الشهير في الأول من شباط (فبراير). والأمر الأكيد أن ظهور «الأسرة الحاكمة» السابقة اليوم سيكون محط أنظار العالم أجمع، وقد تكون ساعات محاكمته الأعلى في نسبة مشاهدة التلفزيون المصري. في غضون ذلك، قالت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان إن «ممارسات مريبة ومعدومة الشفافية» تجري في محكمة استئناف القاهرة المنوط بها وضع الترتيبات الخاصة بمحاكمة مبارك وأبنائه والعادلي قد تسفر عن حرمان أهالي الشهداء ومحاميهم من حضور المحاكمة، لتتحول إلى محاكمة صورية غير جادة، تتم في غياب أصحاب المصلحة وهم أسر الضحايا ومحاموهم. وأضافت أن محكمة الاستئناف أغلقت أبوابها ورفضت منح محامي الشبكة والكثير من المحامين الآخرين تصاريح بحضور المحاكمة. وقال مدير الشبكة جمال عيد إن حرمان المحامين الموكلين عن أصحاب الصفة والمصلحة من حضور المحاكمة «يبطل المحاكمة، حتى لو تم اختيار بعض المحامين الذين تم انتقاؤهم، واستكمالهم بشخصيات أو كومبارس لا صلة لها بالقضية سيعزز التخوفات التي تدور في أذهان ملايين المصريين حول جدية هذه المحاكمة وعدالتها». من ناحية أخرى، عاد الهدوء إلى ميدان التحرير في قلب القاهرة بعد تجدد الاشتباكات في محيطه بين متظاهرين غاضبين وقوات من الجيش والشرطة. وكان مئات المتظاهرين سعوا إلى الوصول إلى الميدان الذي أحاطته قوات الأمن ومنعت وصول المتظاهرين إليه بعد أن أخلته بالقوة من معتصمين ظلوا مرابطين فيه على مدار أكثر من 3 أسابيع. وكان المتظاهرون يرددون شعارات للتنديد بإخلاء الميدان بالقوة ووقعت الاشتباكات حين رفضت قوات الأمن السماح لهم بدخوله. وتراصت أمس عشرات سيارات الأمن المركزي في محيط الميدان، كما لوحظ وجود كثيف لأفراد الشرطة العسكرية التابعة للجيش. وطالبت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بضرورة الإفراج الفوري عن المحتجزين من المحتجين سلمياً غير المتورطين في أعمال تخريبية الذين تم احتجازهم في أحداث فض اعتصام ميدان التحرير أول من أمس. وطالب رئيس المنظمة حافظ أبو سعدة الحكومة بسن قانون جديد لتنظيم الاحتجاجات السلمية ينص على تشكيل لجنة تتولى النظر في هذه المسألة، ويتم من خلالها الاتصال بالمحتجين سلمياً والجهات الأمنية والمعنية على حد سواء لتقوم بتنظيم هذه التظاهرات وعدم الإخلال بقواعد السير في المنطقة التي تشهد هذه التظاهرات وتوفير الأمن للمعتصمين والمحتجزين. ودعا تحالف القوى الثورية إلى تنظيم مسيرة يومية في منطقة وسط القاهرة تنتهي في ميدان التحرير لحين الإفراج عن المعتقلين في أحداث فضّ الاعتصام.