المشهد كالتالي أمام مبنى وزارة التجارة والصناعة على شارع عمر بن الخطاب في الرياض، يأتي المراجعون منذ السادسة والنصف، أول من يصل يجهز ورقة كبيرة، ويسجل اسمه كرقم واحد، ثم من يأتي لاحقاً يسجل اسمه، تستمر هذه العملية حتى السابعة والنصف، حيث يسمح للمواطنين المراجعين بالدخول. بعد الدخول إلى صالة السجل التجاري يستقبلهم موظف مدني، ومعه رجل أمن «سيكيورتي»، ومعهم رزمة من الأرقام، ثم يبدأ أحد المتطوعين من المراجعين في ما يمكن ان اسميه «تجليس» أو «إجلاس» من هم في القائمة ولكن وفق ترتيب معيَّن، حتى يمر عليهم موظف الوزارة حامل الأرقام، ويوزعها عليهم، ثم يبدأ استقبالهم عملياً في حدود الثامنة والربع. أحياناً تشعر بأن التقنية بالنسبة إلى بعض الإدارات الحكومية الخدمية مجرد شيء يمكن «التشخيص فيه»، فالآلية أعلاه تعتبر وفقاً للمخضرمين أرحم كثيراً من الوضع السابق، ومن جهات أخرى، والحضور قبل الدوام بساعة أو اثنتين هو سبيل المراجعين المواطنين الوحيد تقريباً لضمان تقديمهم أوراقهم أو طلباتهم، وليس بالضرورة ضمان تسلّمها في اليوم نفسه. المقصود ليس وزارة التجارة أو إدارة السجلات، فقد سجلت وسجل غيري مشاهدات للمراجعين تجعل الجهات الحكومية تضطر أحياناً لآليات تحس معها أن القرن الجديد لم يطل علينا، والفكرة أن التقنية والمواقع الإلكترونية تتقدم ببطء. شخصياً أرسلت لجهتين حكوميتين بريداً إلكترونياً من خلال رابط «اتصل بنا» على الموقع الإلكتروني، مرة لحاجتي للاستفسار عن إجراء، والأخرى تجربة لتأكيد أن البريد الإلكتروني لا يتم الرد عليه إذا كان هناك من ينظر فيه أصلاً. تحدثت مع موظف حكومي من فريق تقني مسؤول عن موقع، فأفادني بأن هذه الإدارات تفتقد الموهوبين والمبدعين في الحاسب لسبب بسيط، إن موظفيها بأجور المراتب الحكومية الزهيدة لا يمكن أن يكونوا مبرمجين أو مبدعين أقوياء في مجالهم، فالمتخصص المؤهل أو الموهوب يجد في القطاع الخاص أجوراً ومساحات تحرك وفرص تقدم وظيفي أكثر من الحكومة، وربما استثني القطاع العسكري أو الأمني الذي يعطي بدلات مجزية، ووضعه مختلف لأن مشاريعه الإلكترونية استراتيجية ومهمة وحساسة. هل يكون الحل في إسناد إدارة المواقع الإلكترونية للوزارات والجهات الخدمية إلى شركات قطاع خاص، في مقابل اقتطاع حصة لها من الرسوم، سواء كانت سجلات تجارية، أو رخص بلدية، أو معاملات عدلية معيَّنة، وغير ذلك؟ ربما يخشى البعض من المحسوبيات ونظام المناقصات الذي سيعطي لصاحب العرض الأقل مالياً، وليس لصاحب العرض الأفضل تنفيذياً، إذاً هل نستثني ذلك من نظام المناقصات؟ أهل مشاريع الحكومة الإلكترونية أدرى مني، وما تحقق فيها ليس سيئاً، لكنه أيضاً لا يزال في بعض الجهات واجهة لامعة، وأجهزة كثيرة، وتكاليف إضافية. [email protected]