تُلقب ب «رَحِم نجد» لكثرة علماء الدين والفقه والتاريخ الذين ولدوا فيها، وهي غنية بواحاتها، وتحتضن مباني طينية، وأسواقاً وجوامع، وأزقة مُحاطة ب600 بستان، وتسعة أسوار، و30 برجاً، و80 بئراً عذبة، ولإحاطة جبل «أشقر» بها شمال غربي العاصمة سميت «أشيقر»، وكانت القرية مرت بسنوات عجاف كادت معها تفقد كل مميزاتها، وتخلو من سكانها، إلا أن المبادرة الأهلية لترميم القرية وتأهيلها، حولتها إلى مقصد سياحي ومعلم تراثي بارز خلال خمس سنوات. وقال صاحب الفكرة والمبادرة الأولى عبدالعزيز العامر (65 عاماً) في تقرير بثته وكالة الأنباء السعودية: «في شتاء عام 1418ه، عندما تواصلت الأمطار لمدة سبع ليالٍ على قريتنا سقطت أجزاء من سقوف وجدران المنازل الطينية، وانتثرت أخشاب الأثل على الطرقات وسكك المارة، فقمت بإماطة الأذى عن الطريق، ورممت جزءاً من بيتي الذي تأثر من غزارة الأمطار»، لافتاً إلى أن الفكرة أخذت تتسع وتبدو خلاقة أكثر، فتابعه الجيران ورمموا الأجزاء المتضررة في منازلهم، ووضعوا صندوقاً يهدف لترميم بقية البيوت المتأثرة من مياه الأمطار، وإنشاء مركز يكون بمثابة دار للتراث. وأشار مرشد القرية السياحي صالح العنقري (83 عاماً) إلى أن الأهالي ابتاعوا ثلاثة بيوت لإنشاء مقر لاستقبال الضيوف، ومجلس للزوار، ومعرض لتراث القرية المادي والعيني، وأن الأهالي تبرعوا بتسعة بيوت هُدمت جميعها، وبنيت عليها دارٌ أُطلق عليها دار التراث بأشيقر، هي بمثابة القلب النابض الذي يمد عروق القرية التراثية بالحياة، لافتاً إلى أن الدار تستقبل الزائر والسائح بفنجان القهوة ورائحة العود، وتأخذه إلى تاريخ القرية، وحكايتها مع شظف العيش وقسوة الظروف، وما ترويه الدواوين المعلقة على جدران الدار التي يزيد عمرها على 700 سنة، وألواح القراءة المخطوطة من الفحم، وما كتبته محبرة العالم والفقيه ورسمته ريشة الفنان وعدسة المصور. وأضاف أن الدار تضم متحفاً يرصد الحياة اليومية، ومعرضاً للقطع الأثرية، وركناً خاصاً لأدوات القهوة والطبخ وغيرها، وقال: «قفولاً عن الدار يستقبلك سوق أُطلق عليها اسم «المُجيلس»، وهي المركز الاقتصادي لحاضرة أشيقر وباديتها، ومحطة للقوافل التجارية القادمة من عالية نجد، وتمتد على مساحة 400 متر مربع، وأن كثيراً من محالها اليوم لا تزال تمارس أدوارها التجارية»، لافتاً إلى أن الرحالة البريطاني سانت جون وصفها بقوله: «أما السوق فتبدو على شكل معين، ويوجد بها أكثر من 30 محلاً». وذكر أن السوق كانت بمثابة «بورصة» يبتاع فيها الحاضرة ما تجلبه البادية من مصنوعات جلدية ومنتجات مواشيهم، وتبادلهم البادية بالثياب والقهوة والحبال ومستلزمات البيت والسفر، وجلب سلع يطلبها السياح، غالباً ما تكون حول القطع الأثرية، والأواني النحاسية والمعدنية، والديكور المزخرف بالفضة، ومنتجات النخيل، مشيراً إلى أنه بمحاذاة السوق تتفرع طرائق قِددَ صغيرة ومتعرجة ومسقوفة، وكل طريق يؤدي إلى حي سكني، وفي نهاية كل حي توجد قنطرة يلج فيها ويخرج منها المزارعون في وقت محدَّد من اليوم لأجل حفظ الأمن، وأن السائر بين الأزقة الضيقة يَشُم رائحة التاريخ القادمة من الجدران الطينية الرطبة التي جُددت أخيراً من مكونات البيئة المحلية. ولفت إلى أن كثيراً من السياح يطلبون رؤية بعض بيوت المشاهير، وزيارة المساجد، خصوصاً مسجد الشيخ سليمان بن مشرف جدّ الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وأن المساجد القديمة تبنى بحفر «قبو» يعرف ب «الخلوة»، من أجل توفير الدفء شتاءً والبرودة صيفاً، ليتمكن الأطفال من حفظ القرآن الكريم ودراسته، والرجال من أداء الفرائض، وقراءة القرآن والاسترخاء أحياناً، مشيراً إلى أن المزارعين الذين يباشرون أعمال السقاية والحرث يبنون في العادة مصليات بجوار الآبار لأداء الصلوات مع استمرار العمل في المزرعة، وأن للغرباء مكاناً في القرية، فالأهالي يبنون غرفة بجوار المسجد الجامع يطلقون عليها اسم «غرفة الغريب» وفيها حصير للنوم وقربة ماء، ويوكِل شيخ البلدة شخصاً مسؤولاً عن إطعامه وشرابه طوال مدة بقائه في القرية. وذكر أن أهالي أشيقر اعتنوا قديماً بالجمال المعماري، وزخرفة البيوت باستخدام الجبس والأخشاب الملونة، ونقش الجدران بأشكال عدة يطبع عليها الجمال الإسلامي المقوس والمزدوج الزوايا، وأن هذا الاعتناء انعكس أثره على سائر القرى النجدية المسقوفة الأزقة، وتسمى هذه الطريقة بالمجابيب أو الطموم، وأن أبرزها أحيائها العقدة والعصاميّة والمهاصري، بينما تتناثر بيوتات أخرى بين البساتين ومزارع النخيل، لافتاً إلى أنها تزخر بكثير من الآثار، أبرزها الأسوار المتينة التي رُجح بناؤها في القرن السابع الهجري، وبنيت على شكل تتابعي يخضع لمعايير الحاجة إلى التوسع، ويبلغ طول آخر سور بُني نحو أربعة كيلومترات. وأضاف أن تلك الأسوار تعكس زيادة الكثافة السكانية، والتوسع في الزراعة، إذ بنت الأجيال المتعاقبة تسعة أسوار، و30 برجاً، وأربعة أبواب رئيسية، وأن أشيقر اشتهرت بوفرة المياه السطحية العذبة، فحُفرت الآبار يدوياً وبعضها جاهلي الحفر - بحسب روايات المؤرخين- ويربو عددها على 80، أشهرها المُجاشعيّة والمديبغة والجفر، ما زاد من مزارع النخيل وبساتين الخضراوات والفواكه لتصل إلى 600 بستان، مشيراً إلى أن أشيقر ضبطت أنظمتها الحياتية، فنظمت مصارف الأوقاف والوثائق والحقوق العامة ودواوين المساجد والطرق والسروج، وإصلاح القناطر والطرق، وإعاشة الطلاب والأئمة والمؤذنين.