عبر رسالة بليغة وشديدة الرقي والتحضر، ناشد الزعيم الافريقي نيلسون مانديلا الثوار في مصر وتونس تجاوز فعل الانتقام، و»النظر إلى المستقبل وعدم الوقوف عند تفاصيل الماضي المرير». وهو قال «إن إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم»، مطالباً الثوار في البلدين بعدم هدر وقتهم «بالتشفي والإقصاء»، لافتاً الى ان «مؤيدي النظام السابق كانوا يسيطرون على المال العام وعلى مفاصل الأمن والدولة وعلاقات البلد مع الخارج، واستهدافهم قد يدفعهم إلى جعل إجهاض الثورة أهم هدف لهم في هذه المرحلة التي تتميز عادة بالهشاشة الأمنية وغياب التوازن». وذكّر بتجربة جنوب افريقيا التي استبدلت الانتقام بالتسامح، ودخلت المستقبل. هل يمكن ان تجد نصيحة مانديلا آذاناً صاغية؟ هل يقتنع المصريون والتونسيون واليمنيون والسوريون والليبيون برؤية رجل مر بتجربة فاق ظلمها الظلم الذي عانته هذه الدول؟ أم ان هذه الشعوب ستختار الأسهل وهو هدم الظلم، وتبقى متوهمة بأن العدل لا يتحقق إلا بالانتقام. هل يمكن ان تقتنع هذه الشعوب بأن إنقاذ ثوراتها يكمن في المصالحة، والخروج من الماضي كما فعلت جنوب افريقيا؟ تجربة جنوب افريقيا في المصالحة، والخروج من نفق التشفي والانتقام ليست ضرباً من الخيال، انها واقع يشهد بعظمته العالم. في المقابل، فعل الانتقام والتشفي الذي مارسه العراقيون ضد أتباع النظام السابق، يؤكد ان الانتقام يصنع ظلماً أشد، ومن يقارن كيف تعيش جنوب افريقيا بما يحصل اليوم في العراق يدرك اهمية رسالة مانديلا وحكمتها. ولك ان تتخيل لو أن العراقيين تجاوزوا ظلم الماضي، وبادروا الى احتواء مواطنيهم الذين عملوا مع النظام السابق. التجربتان تشهدان بقوة التسامح على الانتقام، وتؤكدان ان الانتقام لا يفضي الى العدل، ورغم ذلك لم يلتفت أحد الى هذه المقارنة التاريخية الحية. ان المتابع ليوميات الثوار في الدول العربية التي شهدت زوال انظمتها، او تكاد، يجد ان القوم منشغلون بتصفية حسابات خاسرة، وبالإصرار على البقاء في سجن الماضي بدعوى العدالة. وفي التاريخ الإسلامي يشهد قانون «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، الذي أعلنه الرسول الكريم حال دخوله مكة، ان التسامح مدماك العدل ومفتاح الاستقرار، وبوابة الى المستقبل.