قررت حكومات منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي قبل أكثر من سنة منح اليونان قروضاً يبلغ مجموعها 110 بلايين يورو لمساعدتها على الوفاء بالالتزامات المتعلقة بديونها السيادية، لكن حجم المشكلة التي تتخبط فيها هذه الدولة استدعت مسارعة زعماء الاتحاد الأوروبي ككل إلى البحث في رزمة إنقاذ مالي أخرى، يُتوقع أن يقرروا في شأنها أثناء قمة لهم في بروكسيل اليوم وأن تكون مساوية حجماً للرزمة الأولى. تعود جذور المشكلة إلى أن اليونان أنفقت لسنوات أكثر بكثير مما كانت إمكاناتها المالية تسمح لها، وذلك في مقابل مراكمة ديون مرهقة، وضعت خدمتها الاقتصاد اليوناني تحت نير ثقيل. ففور تبني الحكومة اليونانية اليورو، الذي قلّت أسعار الفائدة عليه عنها على عملتها القديمة، الدراخما، عمدت إلى الاستدانة في شكل مفرط، وأنفقت في شكل مفرط أيضاً، فحلّقت مستويات الإنفاق الحكومي، خصوصاً بعد ارتفاع إجمالي أجور القطاع العام إلى المثلين في خلال العقد الماضي من الزمن. وفيما تدفقت الأموال إلى خارج الخزينة، تقلصت العائدات الضريبية بسبب ظاهرة عامة وحادة من التهرب الضريبي. وحين هبت عواصف الأزمة المالية العالمية، كانت اليونان غير مستعدة لها. واستهدفت الرزمة المؤلفة من 110 بلايين يورو مساعدتها على تسديد مستحقات ديونها في خلال الأزمة، وهي أُقرَّت في أيار (مايو) 2010، بطلب من اليونان بعدما فشلت في الاقتراض من أسواق المال حيث ساهم المضاربون، العارفون بأزمة اليونان، في رفع أسعار الفوائد على سندات الخزينة اليونانية. وهدفت الرزمة إلى منح اليونان الوقت اللازم لتصحيح أوضاع اقتصادها بحيث تتقلص الأخطار المحيطة به بما يجبر أسعار الفائدة على سندات الخزينة اليونانية على الانخفاض، لكن هذا لم يحصل إلى الآن، فمؤسسة التصنيف الائتماني «ستاندرد أند بورز» قررت أخيراً أن اليونان هي أقل الدول التي تتابعها أهلية للاقتراض. وهكذا تراكمت الديون المرهقة التي يجب على اليونان تسديدها، لكنها لا تستطيع الاقتراض من الأسواق، كما أن ما بقي من الرزمة الأولى لم يعد يكفي للتسديد. ولو أن اليونان ليست عضواً في منطقة اليورو، لربما فكرت في التوقف عن التسديد، ما يعني الامتناع عن خدمة الدَّين، أي دفع أقساط الفائدة، أو الضغط على المقرضين لقبول دفعات أقل وإلغاء بعض الديون. لكن أسعار الفائدة المترتبة على حكومات منطقة اليورو، أي تلك التي تعتمد العملة الموحدة، أُبقِيت منخفضة على افتراض أن الاتحاد الأوروبي والمصرف المركزي الأوروبي سيقدمان العون لدول المنطقة لتجنيبها التوقف عن تسديد الديون. ويعني هذا أن توقف اليونان عن التسديد اليوم سيرفع كثيراً كلفة الاقتراض بالنسبة إلى كثير من دول الاتحاد الأوروبي الأصغر حجماً التي يعاني بعضها في خدمة ديونه، خصوصاً إرلندا والبرتغال، وسيشكل ضربة للمصارف التي أقرضت مبالغ ضخمة إلى الدول الثلاث، ما سيهز الموارد المالية الخاصة بالمصرف المركزي الأوروبي الذي أقرض مبالغ ضخمة أيضاً إلى المصارف المعنية والدول الثلاث. ولطالما بقيت أوروبا قادرة على مساعدة الدول المتعثرة فيها، يُرجَّح أن تواصل ذلك. وحتى لو لم تتوقف اليونان عن التسديد، يمكن أزمتها أن تنتشر، فالقروض التي قُدِّمت إلى إرلندا والبرتغال استهدفت بدورها دعم الدولتين ريثما ترتبان أوضاعهما بما يسمح لهما بالاقتراض من أسواق المال مجدداً. ومع فشل اليونان في العودة إلى الاقتراض التجاري، يشكك المستثمرون في نجاح الدولتين الأخريين في ذلك. ورفعت المضاربات أخيراً أسعار الفائدة على سندات الخزينة الخاصة بإسبانيا وإيطاليا، اللتين يملك كل منهما اقتصاداً يفوق حجماً بكثير اقتصاد كل من اليونان والبرتغال وإرلندا، وسيعاني الاتحاد الأوروبي في إنقاذهما إن اضطر إلى ذلك. وتملك المصارف الألمانية 22.6 بليون دولار من ديون الدولة اليونانية، والمصارف الفرنسية 15 بليوناً، لكن حين تُضاف قروض أخرى كتلك الممنوحة إلى المصارف اليونانية، يقفز الرقمان إلى 34 و56.7 بليون على التوالي، ما سيجعل المصارف الألمانية والفرنسية في طليعة المصارف المتضررة في حال توقفت اليونان عن التسديد. وتخشى بريطانيا، التي تساوي قروض مصارفها إلى اليونان 3.4 بليون دولار، وهو رقم يقفز إلى 14.6 بليون بعد إضافة قروض أخرى، من اهتزاز اقتصادها المتعثر في خروجه من الركود في حال توقفت اليونان عن التسديد، ناهيك عن احتمال أن تحذو إرلندا حذو اليونان، فالقروض التي قدمتها المصارف البريطانية إليها أعلى بكثير.