أن يعنّ على بال إنسان مشاهدة حيوانات الغاب المتوحشة، فضلاً عن تلك الأليفة والداجنة وصولاً إلى أسماك ومخلوقات المحيطات والبحار، مروراً بالحشرات والفراشات والقواقع والزواحف والطيور دفعة واحدة... فهذا يعتبر من سابع المستحيلات! لكن كيف إذا ما قيّض له ذلك؟ هنا عليه أن يتجه إلى شمال لبنان حيث يستريح أكثر من 3000 حيوان بري ومائي وطائر في متحف للحيوانات يعتبر الأول من نوعه عالمياً، وهو يربض على كتف بحيرة «بنشعي» الرائعة الجمال والتي أمست مقصداً للبنانيين والأشقاء العرب خصوصاً من منطقة الخليج. لعل السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان على الفور هو عن صاحب الفكرة، لا بل عن هذا «المغامر» الذي جلب كل هذا الكمّ المتنوع والغريب من الحيوانات؟ شربل مارون شاب لبناني طموح رفض مبارحة وطنه وبلدته في محافظة شمال لبنان على رغم توافر الفرص الكثيرة لتحقيق ذلك، ليقوم منذ نعومة أظافره بمبادرات تنهض بالشمال اللبناني سياحياً. وقد تجسّدت المراحل العملية لتطلعات مارون عندما اعتلى الوزير اللبناني السابق سليمان فرنجية في أوائل التسعينات جرافته بنفسه وبدأ بحفر ذلك الوادي الصغير بين بنشعي وعرجس لاقتناعه بأنها تستوعب بحيرة. في 25 تموز (يوليو) 1998 افتتحت البحيرة - السدّ بعمق 18 متراً وطول 600 متر وعرض 200 متر وتستوعب حوالى 700 ألف متر مكعب من المياه. ومع مرور الأيام تحولت بحيرة بنشعي وضفافها إلى وجهة سياحية تنتشر حولها المقاهي، ناهيك عن كونها من المحميات الطبيعية اللبنانية، فضلاً عن تأمين فرص العمل لمئات الشباب في المنطقة. وساهمت مبادرة السيدة ريما سليمان فرنجية بإطلاق احتفالية سنوية شتوية وصيفية مميزة ولافتة وعلى مستوى عالمي بامتياز على ضفاف البحيرة تحت عنوان «أهدنيات» في رفد المنطقة بحلة جمالية مضاعفة، ما أدى إلى توافد أعداد كبيرة من اللبنانيين وغيرهم إلى وادي بحيرة بنشعي. قطف مارون شربل الفرصة المواكبة لطموحه المتوقد في خوض غمار المشاريع السياحية، فأسسّ أهم وأول وأكبر مطعم لبناني في المنطقة أسماه «مطعم بحيرة بنشعي» الذي يتميز بصالات وتراسات صيفية وشتوية، وهو يقدّم أصناف الطعام التقليدي اللبناني وخاصة الشمالي الذائع الصيت في العالم والذي يتميز بكرم الضيافة والسفرة الغنية. ولأن طموح الشباب اللبناني لا حدود له، اشترى شربل الجبل المحاذي للمطعم وعكف على تنفيذ مشاريع سياحية بجهود ذاتية. وكان عام 2010 تجسيداً لحلم راوده، وهو جمع أكبر عدد ممكن من الحيوانات المحنطة في متحف واحد، منطلقاً من مسلّمة أساسية وهي حبه للحيوانات ورغبته في الحفاظ عليها. معتبراً أن مشروعه «بيئي بامتياز لأنه يساهم في المحافظة على الحيوانات النافقة للتعرّف إلى جمالياتها والحفاظ عليها حيّة». قصد شربل حدائق الحيوانات في العالم وأطلع على أهم الحيوانات الموجودة فيها مؤكداً أنه لا يصطاد الحيوانات بل يشتريها من عدة مصادر في العالم، ويقول ل «الحياة»: «لدي شبكة علاقات مع العديد من المهتمين بالحيوانات لذلك عندما أعرف أن هناك حيواناً نفق في حديقة حيوانات، أتصل بهم وأعرض عليهم شراء هذا الحيوان لتحنيطه. كما أنني أفتش عن الذين يجمعون حيوانات محنطة لكي أشتريها منهم، وأتأكد من أن كل حيوان معه شهادة من منشأه وذلك كنوع من الحماية». ويعمل شربل على تحنيط الحيوانات في مراكز مختصة خارج لبنان الذي يفتقر إلى تلك الاختصاصات، فتتنوع عمليات التحنيط العلمي الدقيق الذي يجعلها على شكلها الحقيقي عشرات السنين في هولندا وكندا. أما بالنسبة إلى الأسماك والمخلوقات البحرية فيصار إلى تجويفها وتحنيطها، وإجراء ماكياج خاص بها يتناسب مع شكلها الطبيعي. ما يجعل المتحف مميزاً وفريداً من نوعه في العالم اشتماله على الحشرات والطيور والزواحف والأسماك والحيوانات البرية والأليفة في وقت واحد، بحيث يجد الزائر نفسه أمام «موسوعة» بكل ما في الكلمة من معنى. ويسعى شربل إلى بناء طابق جديد وتوسيع متحفه ليضم عدداً أكبر من الحيوانات حيث يضع نصب عينيه جلب الزرافة (كلفتها واصلة إلى لبنان تبلغ 84 ألف دولار أميركي)، والفيل (110 آلاف دولار) وغيرهما من الحيوانات الضخمة. يضم المتحف 1200 فراشة فضلاً عن مئات الحشرات، وجميعها جلبت عبر اختصاصيين، وهي مؤلفة من ذكر وأنثى. ونجد أيضاً طيوراً مميزة ونسوراً كبيرة، فضلاً عن طيور الفيزون والطيور اللبنانية مثل السمّن والفرّي والحجل. ويختم شربل بعتب على الدولة ووزاراتها المختصة التي لا تهتم بالمبادرات الفردية والمشاريع السياحية والبيئية.