التحنيط من المهن الصعبة التي تحتاج إلى كثير من المهارات والصفات الخاصة، أولها الصبر ودقة العمل والقدرة على تحمّل أجواء ذات روائح كريهة لا يطيقها كثيرون؛ ولذلك نادرا ما نجد محنطا معروفا يمتهن هذه المهنة حتى في تلك البلاد التي عرفت تاريخيا بهذا النوع من الأعمال. هناك قلة من السعوديين يعشقون ويمتهنون هذه المهنة، وهي مهنة كما بدت غير مفضلة للكثيرين، ولكن حمد بن عبدالعزيز الضبعان الذي درس علم التحنيط في كندا وسورية يغوص الآن في بحر العام الثامن في المهنة، وفتح له متحفا خاصا للتحنيط كان مصدر رزق له، نتناول في هذا الحوار تجربته وعشقه للتحنيط الذي لا يعرف الكثيرون خباياه وأسراره التي تذهب مع الجثث محل التحنيط. إلى أي عصر تعود مهنة التحنيط؟ وماذا تعني في اللغة والمصطلح العام؟ يعود تاريخ التحنيط إلى عصر الفراعنة وتحديدا قبل أكثر من خمسة آلاف عام، والكلمة في اللغة تعني إعادة الحيوان لشكله الطبيعي وفق مواد كيميائية خاصة، أما في المصطلح العام فهو «البو» ويعني إعادة الحيوان لشكله بعد سلخه. كيف ارتبطت بالمهنة؟ وما الشروط التي يتوجب توفرها في من يرغب امتهانها؟ درست علم التحنيط في كندا وسورية كوني رجلا مهتما بعلم التراث والسياحة لأكثر من عامين ونصف العام، ولدي متحف خاص للحيوانات المحنطة أجمعها فيه منذ أكثر من ثمانية أعوام، أما مهنة التحنيط فهي تحتاج إلى أهم الصفات وهي مهارة السلخ والدقة والتركيز والصبر وفن التعامل مع الحيوانات الميتة وحب المهنة، لأنك تتعامل مع أحشاء ولحم، ومنها المتعفن؛ فرائحة بعض الحيوانات مقززة وبخاصة «الكلب» فرائحته لا تطاق، ونحن نستخدم «الكمامات»، إضافة إلى أن المحنط يجب أن يكون ملما بعدة مهن «أي يكون حدادا ونجارا وسلاخا وخياطا ومختصا كيميائيا»؛ لأن زيادة المواد الكيميائية تحرق الجلد وهي شرط أساسي للتعامل مع هذه المهنة. وهل يختلف التحنيط من حيوان لآخر؟ وكم تبلغ تكلفته؟ التحنيط لا يختلف من حيوان لآخر؛ فطريقته واحدة، لكن التعامل معها يختلف من حيث رقة الجلد وكثافة الشعر، والتحنيط يمر بثماني مراحل تشمل: السلخ، تنظيف الجلد، تركيب شبكة من الأسياخ المعدنية، الحشو، الخياطة، تهيئة شكل الحيوان إلى وضعه المرغوب، المعالجة الكيميائية؛ لذا تجد أن قلة من السعوديين يعشقون هذه المهنة، أما تكلفته فتختلف حسب الحجم والنوعية، فتكلفة تحنيط الصقر بالخامات الخاصة بالتحنيط تقارب ال 200 ريال، أما الخيول فالتكلفة بين 900 إلى أربعة آلاف ريال، أما قيمة البيع فتختلف من حيوان لآخر. كم تبلغ مدة تحنيط الحيوانات؟ وكيف تتم العملية؟ يتم أولا وضع الحيوان في ثلاجة لمدة 24 ساعة، وبعد ذلك تتم عملية السلخ بدقة متناهية ولكنها تختلف، حيث إن صاحب الشعر الغزير يساعد في إخفاء الأخطاء التي تحدث أثناء عملية التخييط، ويستخدم مع السلخ نشارة الخشب ويفرك الجلد لكي تتم إزالة الأنسجة، ثم يتم وضع المادة الكيميائية وهي مادة سائلة وبالذات في الأماكن التي فيها لحم، وفائدة هذه المادة أنها تغطي الأنسجة ولا يكون هناك «تعفن» ثم توضع شبكة من الأسياخ مع الأرجل واليدين بطول 15سم من أجل تثبيتها بالقاعدة، وبعد ذلك يتم الحشو بقطن خاص يسمى «قطن التحنيط» ثم تتم عملية الخياطة مع الحشو ويستعمل أيضا الورنيش في الحوافر والقرنين وأطراف الفكين، وأخيرا تتم عملية الاستشوار وهو نفس الذي تستخدمه النساء. وماذا عن الرأس والعيون؟ بالنسبة للرأس فالعملية معقدة، حيث يتم تنظيفه من الداخل بالكامل ويتم وضع كريستالات خاصة «للعيون» لكل حيوان، وهناك «كريستالات» بمبالغ كبيرة لبعض الحيوانات أمثال الذئاب والفهود والأسود وغيرها. هل تصطادونها؟ وكم الوقت الذي تحتاج إليه مدة التحنيط للطيور والحيوانات؟ الصيد محظور لدينا من قبل الحياة الفطرية؛ ولذلك فإننا نأخذها من قبل أماكن بيع الحيوانات الحية، وكذلك ممن يحتفظون بها بشكل خاص ولدينا توجه للتعاون مع حدائق الحيوانات وكذلك مع المحميات. من أكثر من يشتري الحيوانات المحنطة.. السعوديون أم الأجانب؟ شراء الحيوانات «المحنطة» له شريحة خاصة هم «كبار الشخصيات» وعائلاتهم، والسعوديون هم الأكثر، وشراؤها يتم «جغرافيا»؛ فأبناء البادية يشترون الذئاب والثعالب والصقور، أما أهل حوطة بني تميم والمحافظات القريبة منها فيقتنون الوعول، والنساء يعشقن الحيوانات الأليفة أمثال الغزلان والقطط والأرانب والطيور أمثال طير «الفلامنجو» وهو طائر يعيش في فرنسا، وكذلك طيور الكروان وهي طيور الحب، وهناك من يطلب الحيوانات على أشكال معينة مثل أن يكون جالسا أو واقفا أو ملتفتا أو بفمه فريسة، ما عدا الضبع فهو الحيوان الوحيد الذي لا يستطيع لف رقبته؛ لأنه بطبعه لا يلتفت، وكذلك الطيور يتم وضعها بشكلها الطائر أو بأوضاع حسب طلب الزبون، وهناك أشكال أخرى مثلا كأنه يصب القهوة والشاي أو راكبا دراجة أو غيرها. ما أصعب الحيوانات التي يتم تحنيطها؟ بالنسبة للحيوانات المتوحشة فهي الفهد والنمر، وللطيور الصقور والنسور والحبارى، وهناك عدد من الزواحف والطيور ذوات الجلد الرقيق مثل الثعبان فجلده رقيق جدا وأي غلطة تعني أنه لم يعد صالحا للتحنيط، كما أن «القنفذ الشوكي» يصعب تحنيطه خاصة إذا كان داخل الرأس، ولكون جلده أيضا من الشوك و«عكرة الضب» صعبة ومتعبة تحتاج إلى وقت وجهد مضاعف بسبب تفريغها، والعكس صحيح؛ فكلما كان شعر وجلد الحيوان أو الطير أكثر كثافة وقوة قلت أخطاؤه. وهل تستطيع معرفة الحيوان إن كان غاضبا أم هادئا عندما يأتيك؟ نعم هناك علامات واضحة، فالضب والورل عندما يغضب تجده فاتحا فمه ورافعا رأسه وذيله واقف، أما الطيور فتجد لسانها متدليا للخارج، وفي الحيوانات المفترسة تجد أن نظرات الذئب والثعلب أكثر تحديقا وحدة في النظر، وكذلك اللسان تجده مرتفعا قليلا، أما الجمل فتجده رافعا رأسه وفاتح الفم. كيف يتم تحنيط الحيوانات الصغيرة جدا؟ هناك حيوانات عندما نحنطها ونفتح البطن نجد بداخلها «جنينا» صغيرا، وهذا يتم تحنيطه مخبريا ولا يتم سلخه لأنه ليس به لحم؛ لذا يتم تنظيفه من الفم والأوساخ، ثم يوضع في علبة زجاجية توجد بها مادة الفورمالين، وهي مادة كيميائية تحفظ الحيوان بخواصه، وهذه لها زبائنها فهي مطلوبة لدى المدارس «للمعامل»، والكليات الطبية والمستشفيات البيطرية. وماذا عن الاستفادة من الجلود والقرون والفك وغيرها؟ لها زبائنها، وهناك جلد النمر الذي يصل سعره إلى ستة آلاف ريال، وبعده جلد الغزال ويصل إلى عشرة آلاف ريال. ما المواقف الطريفة التي تشاهدونها في المحل؟ عندما تدخل المرأة للمحل وهي تشاهد الطيور تفاجأ من رؤيتها لحيوان مفترس كالذئب، وردود الفعل عموما متفاوتة؛ فمنهن من «تصرخ»، ومن تعاتبنا بأننا لم نخبرها وغير ذلك من ردود الفعل الأخرى، وأيضا عندما تشاهد «ذئبا» محنطا و«بفمه» فريسة تعاتبنا بشدة وتطالبنا بعدم وضعها بهذا الشكل. كيف توثق لجهودك في التحنيط؟ أسعى لإعداد كتاب وشريط «c.d» خاص بالتحنيط، وكذلك معرض «تراثي» جمعته خلال 20 عاما .