هل تفسد الفضائيات سمعة الدول؟ ولماذا لا نسمع عن مسألة السمعة إلا في عالمنا العربي؟ وأيهما أقدر على الإساءة للسمعة: الفضائيات أم تقنين إهدار الحقوق وكبت الحريات وقهر الأفراد؟ أسئلة مطروحة على الساحة التلفزيونية العربية في ضوء الانفراج الإعلامي الملحوظ. تاريخياً، ولدت منظومة «سمعة الدولة» من رحم الأنظمة البعيدة من الديموقراطية منذ منتصف القرن العشرين، وكانت تكتيكاً ذكياً لابتزاز مشاعر المواطنين الوطنية ومنعهم من التفوه بما قد يسيء للوطن. وتعززت الفكرة أكثر مع بزوغ عصر التلفزيون، لكنها ظلت قابلة للتنفيذ ومن ثم السيطرة، بحكم أن التلفزيون لا يعني سوى تلفزيون الدولة. ولم تحم تهمة الإساءة لسمعة الدول إلا حول الإذاعات التي تبث من الخارج والموجهة إلى الدول العربية، أو من دولة عربية وموجهة إلى دولة عربية أخرى في أوقات الخصام والخلاف، وما أكثرها. لكن الزمن تغير وحدثت الانفراجة الديموقراطية التي أساء بعضهم استخدامها وأحسنها بعضهم الآخر. وبدأت اتهامات تظهر على الساحة، حول إساءة فضائيات لسمعة هذه الدولة أو تلك. وكانت الريادة في قصة الاتهامات من نصيب قناة «الجزيرة» التي نجحت في استعداء الكثير من الدول، أو بالأحرى الحكومات التي رأت في تغطياتها الظالمة والمنحازة في نظر بعضهم والصريحة والجريئة في رأي الآخرين إساءة لسمعتها. ولكن مع خروج الفضائيات الخاصة إلى النور صار الاتهام أكثر اتساعاً ليحوي كل من يسير على نهج مغاير للنهج الرسمي. فتغطية التظاهرات والاحتجاجات، والتركيز على قضايا الفساد، وتصوير المناطق الفقيرة والمحرومة، وسواها إساءة لسمعة الوطن. ويبدو أن منظومة الإساءة للوطن، أو تشويه سمعته لا تقتصر فقط على الحكومات أو المسؤولين، ولكن هناك أصواتاً بين المواطنين العرب ترى في ما تعرضه الشاشات الخاصة «تشويهاً». «لا يصح ما تعرضه الفضائيات العربية الخاصة كل يوم من فضائح وجرائم وتظاهرات في دولها. ألا يعرف القائمون عليها أنها ليست قنوات أرضية وأن كل العرب يشاهدونها؟ إنهم يسيئون الى سمعة بلدانهم.عيب جداً». قالتها إعلامية سورية معترضة على ما تبثه بعض القنوات الخاصة ورأت فيه تشويهاً لا جدوى منه لدول بعينها. هي ترى أن الكشف عن الفضائح، وتحليل الجرائم، وتعرية الفاسدين يجب ألا تتم إلا على القنوات الأرضية، لكن القنوات الأرضية رسمية، وقيامها بهذه المهمة غير وارد. فهل نضحي بسمعة الوطن في سبيل الكشف عن الحقائق؟ أم نتجاهل الحقائق في سبيل الحفاظ على سمعة الوطن وشرفه؟ أم أن الوطن أكبر من مسألة السمعة وقصة الشرف؟ بعض معتنقي السخرية يحذرون من أن ينضم المدافعون عن سمعة الوطن قريباً إلى قائمة مرتكبي جرائم الشرف في عالمنا العربي، فنسمع عمن قتل محاوراً أو وأد مذيعاً لأنه مس شرف الوطن، ثم برأه القضاء لأنه كان يدافع عن أعز ما يملكه العربي، ألا وهو شرفه!