كبر الأولاد... كبروا من كانوا في الأمس يلعبون في الدار... هربوا من طفولتهم، وبدأوا يحاولون الهرب من حناننا وغطائنا العاطفي. باتوا يضيقون ذرعاً باهتماماتنا البالغة والمبالغ فيها التي تستهدف كل شؤونهم، وهذا حقهم الطبيعي... ما عادوا أطفالاً يصغون إلى النصائح والتوجيهات والملاحظات القاسية أحياناً، إلى الترغيب والترغيب، إلى التشجيع والتوبيخ، أصبحوا في سن تخوّلهم أن يكوّنوا شخصياتهم الخاصة. ونحن الأهل الكرام، كما يقال لنا، على رغم خبراتنا الواسعة في الحياة وشؤونها وشجونها ومجالاتها وصعدها، وعلى رغم اطّلاعنا الدائم ومواكبتنا لكل ما يجري من تطوّر وحداثة، فإننا قد نخطئ في معاملتنا لأولادنا.. نحسب أنهم لا يزالون صغاراً. هذا الشعور الأبوي الدفّاق يطغى. ربما نكون في دواخلنا غير راغبين في أن نصبح بلا أطفال نرعاهم ونغدق عليهم الحب والحنان، ليس سهلاً أن نكون دفعة واحدة أهلاً لشباب بل رجال، ولصبايا بل لنسوة، خصوصاً أننا كنا في الأمس القريب نهزّ أسرّتهم لنسعد بغفواتهم الهانئة. هذه اللحظات الحساسة من عمر الزمن، لا بد من التوقف عندها، ثم النظر إلى أهميتها وكونها مفصلية في حياة الأسرة، فعلى ضوئها تتغيّر مصائر أفراد وأسر ومجتمعات في ما بعد. من هنا يبدأ الحذر، ويبدأ التداخل والتعاطي بروح مرحة وأعصاب هادئة مستوعبة لكل طارئ، ثمة ثوابت لا يمكن التخلّي عنها والتراخي فيها وتخطّيها مهما يكون، ثوابت المثل العليا والخلق الرفيع، التي ينبغي أن نرسّخها منذ البداية مع الرضعة الأولى، ثم تأتي المواضيع الأخر القابلة للحوار والنقاش بانفتاح ومحبة ومودة وتفهّم. ينبغي أن يشعر الابن ويظل متأكداً على الدوام أن كل خطوة من الأهل هي خطوة لأمنه وأمانه ورفاهيته وسعادته، وليس لغاية أخرى. متى اقتنع بذلك تصبح الأمور الأخرى ميسّرة. وعلى كل منّا أن يتذكّر أنه أشبه براع، يفترض به أن يستوعب من يرعاه ويتولّى أمره، أن يُرشد من ضلّ ويسامح عند الضرورة ويكون صديقاً يحاور بانفتاح ويفسح المجال لولده كي يعبّر عن رأيه من دون أن يعنّفه أو يكبته. على الأب أو الأم أو رب الأسرة أياً كان أن يتذكّر أن ولده هذا له مشاعره وأفكاره الجديدة وتطلّعاته نحو الآفاق البعيدة، ويكون بذلك راعياً وموجّهاً وحامياً ومنقذاً، ليس لأبنائه فحسب... بل لجيل بكامله ولأمة بكاملها. خلف الزاوية في الصمت أرعاك أو في البوح يا ولدي يا خفقة القلب أو يا فلذة الكبدِ لو كنتَ تعرفُ كم أغدقتُ عاطفة لعشتَ في كنفي حرّاً وطوع يدي [email protected]