لا يمكن اعتبار التصريح الذي أدلى به ل«الحياة» رئيس لجنة رعاية السجناء في محافظة جدة عبدالله بن محفوظ وتضمن معلومات تفيد بأن 63 ألف سعودي قد يزج بهم في السجون خلال العامين المقبلين لعجزهم عن سداد قروض استهلاكية حصلوا عليها من البنوك وجهات التمويل إلا جرس إنذار مجلجل يجب ألا يمر صوته مرور الكرام، فهذه كارثة حقيقة ترتبت على قصور الأنظمة المتبعة في هذه القضايا، التي تبدو معها أجهزة الدولة وقد تحولت إلى موظف لدى البنوك بعكس ما يحدث في معظم دول العالم حيث تتحمل البنوك الأخطاء التي تقع فيها عند الإقراض من دون ضمانات كافية، ولا تتكلف الحكومات عبء صرف مليارات الريالات على عشرات الآلاف من المساجين وتشتت أسرهم وتتسبب في خلق إشكاليات اجتماعية خطيرة يدركها كل لبيب. في الولاياتالمتحدة وغيرها من الدول الاقتصادية الكبرى يكتفي العاجز عن سداد القرض بعد تقدم البنك بشكوى ضده بتوكيل محام لإشهار إفلاسه خلال مدة لا تتجاوز 48 ساعة، وبناء على ذلك لا يتم توقيفه أبداً ولا حتى لساعة واحدة.. كما أن معظم البنوك في أوروبا لا تتقدم بشكاوى ضد المقترضين من الأساس وإنما تكتفي بتدوين الملاحظات على سجلاتهم الائتمانية التي تعود بدورها بيضاء بحكم القانون بعد عدة سنوات وهو ما أشار إليه الزميل كاتب الجزيرة «حمزة السالم» في مقال تناول فيه تصريح بن محفوظ بنظرة اقتصادية شرعية. عندما يتقدم مواطن سعودي لأي بنك طلباً لقرض استهلاكي أو عقاري فأولى الطلبات التي تطلب منه تحويل راتبه للبنك نفسه أي «رهن الراتب» لحين الانتهاء من سداد القرض، وهذا ضمان كافٍ ولدى البنوك نسب مخاطرة تتحمل مسؤوليتها كأن يترك المقترض عمله أو غير ذلك، ويُفترض أن الدولة وأجهزتها الأمنية وسجونها ليس لها علاقة بهذا كله، بل إن معظم البنوك توقع بوليصات تأمين على قروضها التي تمنحها للأفراد والشركات، بحيث تلتزم شركات التأمين بتغطية القروض غير المحصلة كما يحدث مع حوادث السيارات المؤمن عليها التي تتحملها شركات التأمين، لكن للأسف فقصور الأنظمة المالية في المملكة سيقود المجتمع إلى كارثة إن لم يتم التدخل عاجلاً لإصلاحها. الصديق عبدالله بن محفوظ قال في تصريحه إن لجنته خاطبت مجلس الشورى مقترحة تخصيص جزء الزكاة الذي تدفعه جهات التمويل لمصلحة الزكاة والدخل في إطلاق سراح السجناء المدينين لها، وهذا من وجهة نظري الخاصة اقتراح كارثي في حد ذاته، لكنه مبرر من اللجنة التي تريد إطلاق سراح «المديونين» بأي طريقة قبل حل إشكاليات الأنظمة، والأولى أن نتساءل: بأي ذنب يسجن الفقير والمفلس؟ فلا عقوبة إلا بجريمة وبعد ثبات هذه الجريمة، وهو ما أشار إليه أخيراً سمو النائب الثاني الأمير نايف بن عبدالعزيز في أحد تصريحاته، ومن المعلوم بداهة وعقلاً أن الإفلاس ليس جريمة يُعاقب عليها الإنسان بالسجن. إن الحلول التي يجب أن تطرح عاجلاً لهذه الإشكالية كثيرة في مقدمتها العمل بما هو معمول به عالمياً، وتحميل البنوك وجهات التمويل المسؤولية كاملة عن مجازفاتها، والتوقف عن سجن المدينين لها، الذين يكلفون الدولة وأجهزتها الكثير من الأموال طوال فترة سجنهم التي تتشتت خلالها أسرهم، كما يجب إلزام جميع الجهات التمويلية بالتأمين على القروض كإجراء وحيد يضمن لها استعادة أموالها، هذا إضافة إلى وضع حد زمني لتعثر السجل الائتماني للمواطن يعود بعده أبيض بحكم القانون، وهذا ما يجب أن يناقشه مجلس الشورى حالياً بدلاً من مناقشة تحويل زكاة البنوك لسداد «مديونيات» مقترضيها المتعثرين ما يعني أنها ستدفعها باليمين وتأخذها بالشمال كأرباح وهذا والله هو التحايل على شرع الله في أبشع صوره! [email protected]