على غرار مليوني فلسطيني في قطاع غزة، كانت للمصوّر الصحافي ياسر مرتجى أحلام صغيرة جداً، غير أن رصاصات الاحتلال لم تمهله الوقت لتحقيقها. حلم الشاب الذي لم يغادر غزة طوال سنواته ال31، بأن يستقل طائرة ويلتقط صوراً من الجو للقطاع، قبل أن يعاجله قناص إسرائيلي برصاصات قاتلة فيما كان يغطي فعاليات «مسيرة العودة الكبرى» شرق خان يونس جنوب القطاع أول من أمس، على مسافة نحو 350 متراً من السياج الحدودي الفاصل. ذرفت عيون أصدقائه وسالت أقلامهم دماً أمس، في وداع من لم تفارق الابتسامة وجهه يوماً، ما جسّد المقولة الخالدة للكاتب والشاعر والرسام الفلسطيني عضو المكتب السياسي ل «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» الشهيد غسان كنفاني: «بالدم نكتب لفلسطين». وشارك آلاف الفلسطينيين من بينهم عدد من قادة الفصائل، في تشييع الشهيد، وحمل عدد من زملائه ورفاقه جثمانه الملفوف بعلم فلسطين الذي ظل يرفرف وحيداً طوال الأيام الثمانية الماضية من فعاليات المسيرة الكبرى، ومن فوقه سترته الواقية من الرصاص. وكانت وزارة الصحة أعلنت أمس، استشهاد مرتجى متأثراً بجروحه، وإصابة ستة صحافيين آخرين بجروح متفاوتة. ونعت نقابة الصحافيين والكتل والأطر الصحافية الفلسطينية مرتجى، وطالبت بتشكيل لجنة تحقيق دولية في استهداف الصحافيين الفلسطينيين. وشددت النقابة على أن قتل مرتجى «يجب ألا يمر من دون عقاب». وقال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية قبيل الصلاة على جثمان الشهيد في المسجد «العمري الكبير» في مدينة غزة، إن «الاحتلال يريد من مجازره نشر الرعب والخوف في صفوف الفلسطينيين»، لكن «شعبنا قادر على خلط الأوراق في أصعب الأوقات وأحلك الظروف». وشدد على أن المعركة مع الاحتلال «معركة في عالم الوعي والأمن والسياسة والعسكر، وشعبنا متمسك بثوابته، وفي مقدمها حق العودة». وقال القيادي في حركة «الجهاد الإسلامي» يوسف الحساينة إن «مسيرة العودة تحمل رسائل عدة، أهمها أنها تدعو السلطة الفلسطينية إلى إنهاء الانقسام، والالتفاف حول الثوابت، والتمسك بالحقوق، وتجاوز أفخاخ اتفاق أوسلو اللعين»، وتكمن الرسالة الثانية في أن التطبيع مع الاحتلال «لن يكون إلا وبالاً على المنطقة وشعوبها»، أما الرسالة الثالثة فهي للمجتمع الدولي الذي «أصبحت صدقيته على المحك». وشدد الحساينة على أن الرسالة الرابعة هي «للعدو (الإسرائيلي) بأن الشعب الفلسطيني صاحب حق متمسك بأرضه، ولديه الاستعداد للتضحية ومواجهة عصاباته، وسيُسقط كل المؤامرات والصفقات المشبوهة». وأكد عضو المكتب السياسي ل «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» مسؤول فرعها في غزة جميل مزهر أن دماء الشهداء «لن تذهب هدراً، بل ستزيدنا إصراراً على استمرار النضال حتى تحقيق كل حقوقنا، وفي مقدّمها حق العودة». واعتبر أن إصرار الشعب الفلسطيني على المشاركة الواسعة في مسيرات العودة يؤكد «قدرته على اجتراح وسائل إبداعية جديدة لمواجهة الاحتلال على رغم الحصار والعدوان والصمت الدولي». ورأى مزهر أن استمرار المسيرات وتصاعدها يوماً بعد يوم، هو أبلغ ردّ شعبي جامع على محاولات تمرير «صفقة القرن» الأميركية للسلام. وحضّ على «ضرورة استثمار ملحمة يوم الأرض من أجل ترتيب البيت الفلسطيني، ومواصلة هجوم المصالحة باعتبارها فرصة لتعزيز الوحدة الوطنية ومفتاح الحل للقضايا الوطنية والحياتية والمعيشية». وشدد على أنه «لا يعقل أن تتم الدعوة إلى انعقاد المجلس الوطني بصيغتها الحالية وفي رام الله بما يعمق الانقسام والفرقة في الساحة الفلسطينية»، معتبراً أن «الوفاء لدماء الشهداء يتطلب من الرئيس محمود عباس تأجيل عقد الجلسة وإعطاء المجال لمزيد من الحوار الوطني من أجل عقد مجلس وطني توحيدي جديد وفقاً للقرارات الوطنية».