على رغم زيادة حجم مشكلات العمالة المنزلية أخيراً، إما بسبب إحجام بعض الدول عن إرسال رعاياها لدواعٍ أمنية وسياسية، وإما بسبب ضعف المردود المادي الذي تتقاضاه تلك العمالة، إلا أن الطلب عليها لم ينفك وهو باسط ذراعيه يؤطر أوساط المجتمع ويشغله حتى بات ثقافة كامنة في داخله لا يمكن تجاهلها أو التغافل عنها. وشدد رئيس لجنة الاستقدام في غرفة جدة التجارية يحيى مقبول على أن هذا الأمر بات حقيقةً دامغة لا يمكن تجاهلها أو غمض العيون عنها على رغم كل المشكلات التي تواجه دول الاستقدام، خصوصاً تلك التي تعنى بالعمالة المنزلية، وقال ل«الحياة»: «إن عدم وجود إحصاءات رسمية وقتية تشكل النسيج الرقمي حول هذه القضية يعد دليلاً مهماً على اتساع رقعة هذه الثقافة بين مختلف الأوساط الاجتماعية داخل السعودية». وكشف أن غالبية الإحصاءات التي تتعلق بالعمالة المنزلية سواء من طريق حجمها أو قيمة رواتبها أو حتى حجم حوالاتها السنوية إلى بلادها قديمة وبالية وليست معروفة لجهة بعينها، وكل ما في الأمر لا يتعدى كونه إحصاءات قدمت في فترة سابقة وليست وليدة اليوم أو اللحظة، موضحاً أن عدد العمالة المنزلية في السعودية كبير جداً، لكن أرقامه الحديثة ليست معلنة أو محددة. ولفت إلى أن حديث الصحف أو المجلات عن مدى الحاجة وزيادة الطلب على العمالة المنزلية سيدفع بالآخرين إلى الزيادة في أسعار عمالتهم وتقديمها للخدمات، وقال: «إننا نمر بمشكلة حالية مع دولة الفيليبين، ومع استقدام عمالتها، فهم يطالبون بمنح الفرد 400 دولار للشهر الواحد أي ما يعادل 1500 ريال، وهذا ما يخالف عرضنا الذي وضعناه والذي يقارب 280 دولاراً للشهر الواحد»، مؤكداً أن الحديث عن النهم الذي يستشري في جسد المجتمع يدفعهم نحو التمسك بمطالبهم. وأكد انعدام ثقافة الاستغناء لدى المجتمع، ما يجعل أمر الاعتماد على العمالة المنزلية في تصاعدٍ كبير، وقال: «ربما أصبح الزوج في أول شهر من زواجه ملزماً بإحضار خادمة لمنزله، وربما كان ذلك شرطاً من شروط الزواج، فكيف تريد من مجتمع يرسخ هذه الأفكار والعادات أن يؤطر من ثقافة الاستغناء»، مشدداً على أن هذه مشكلة ويجب النظر إليها بعين الاعتبار. وكان آخر إحصاء أوردته وزارة العمل ذكرت من خلاله أن نسبة الاستقدام زادت بمعدل ثلاثة في المئة ليصل عدد العمالة الوافدة إلى 1.24 مليون عامل، شاملةً التأشيرات الموسمية التي بلغ عددها 50.756 تأشيرة. فيما بلغ عدد العمالة المنزلية الموافق عليها للعمل لدى الأفراد 495.8 ألف عامل، ووصل عدد العمالة للجهات الحكومية إلى 70.92 ألف عامل، وبلغ عدد العمال الموافق على نقل خدماتهم 110.53 ألف عامل بزيادة 85 في المئة. من جانبه، لفت المحامي أحمد عمر إلى ارتفاع قضايا الخادمات في الفترة الأخيرة، مشيراً إلى أن كثرة هذه القضايا تعتبر مؤشراً كبيراً على ارتفاع عدد العمالة المنزلية في مجتمعاتنا، مؤكداً أن قضايا الهرب والعنف من أبرز القضايا التي تواجه الأسر الحاضنة لهذه العمالة. وأوضح أن قيمة مرتبات العمالة المنزلية، خصوصاً خادمات المنازل، باتت لا تقل عن ألف ريال للشهر الواحد، وفي بعض الأحيان والأماكن تصل إلى ألفي ريال، وهو ما يدفع بعض العمالة الأخرى، خصوصاً من تقل مرتباتهم عن تلك المبالغ، إلى الهرب بحثاً عن دخلٍ أعلى وفرص للعمل أفضل، وهو ما يضع للجريمة مرتعاً خصباً يمكن لها من خلاله أن تنمو وتتطور.