«أحب العنف في السينما» عبارة يمكن أن تصدر عن مشاهد مهووس بنوع محدد من الأفلام لا يتوانى من أن يطلقها في لحظة استرخاء بدني ونفسي، أو العكس من ذلك حين يكون هذا المشاهد متحفزاً تماماً وفي كامل أهليته ليدلل عن احالات نفسية وثقافية يجد صداها في هذه الأفلام التي تعجبه. غير ان الأمر يبدو مختلفاً تماماً حين نجد العبارة تتصدر كتاباً بالعنوان نفسه عن المخرج الأميركي كوينتين تارانتينو المولود في نوكسفيل (ولاية تينسي) في 27 آذار 1963 لأب من أصول ايطالية. اذ يمكن اعتبار تارانتينو واحداً من المفاجآت السينمائية حتى منذ أن أطلق فيلمه الأول «خزان الكلاب»، وهو من يومها، لم يحرك الدوائر الساكنة في نفوس المشاهدين وحسب، بل أيضاً عند النقاد والسينمائيين، وبخاصة أن فيلمه هذا شهد انطلاق عروضه في عدة مهرجانات عام 1992، في كان ومونتريال وتورنتو. والأهم بالنسبة إليه هو انطلاق عروضه التجارية في الولاياتالمتحدة الأميركية وقد تحوّل إلى فيلم مثير للجدل لجهة اعتماد اسلوبية جديدة في سرد هذه النوعية من الأفلام. بالنسبة الى مخرج لم يذهب إلى مدرسة للفنون، وبدأ يحظى بشهرة خاصة منذ مطلع التسعينات ولم يتجاوز العشرين من عمره بعد، فإن هذا يعد انعطافة في الحياة السينمائية الأميركية، وتغيير ل «المثل العليا» فيها، حين نعرف أن تارانتينو سيوغل في طريقة تقديمه للعنف بشكل غير مسبوق، مصحوباً بلمسة لا تخلو من سخريات ولهجات عامية وعبارات مغرقة في انحطاطها يتحصل عليها من مختلف الولايات أثناء كتابته لسيناريواته. أفلام تارانتينو التالية كذلك لا تخلو من الأشرار، لا بل إنها تغص بهم وحدهم، وكل ذلك من أجل خلق العنف الذي يرنو إليه. ولا يقف تارانتينو أمام استخدامه موسيقى أفلام أخرى من سبعينات وثمانينات القرن الماضي مثل موسيقى البلوز الخاصة بأفلام العصابات. انه يعتبرها جزءاً من العنف الذي يتوق إليه، فهو عندما يبدأ تصوير فيلمه تتجمع في رأسه القطع الموسيقية ليطابق بينها وبين الشخصية، في ما يطلق عليه روح الفيلم. نال تارانتينو جائزة الأوسكار عن فيلمه «الخيال المثير» عام 1995، وكما نال جائزة أفضل سيناريو. وبفضل نجاحاته الأولى تلك، كما يشير الكتاب أخذت السينما الأميركية المستقلة تنمو وتشعر بهيبة غير مسبوقة، وهذا أدى بدوره إلى استقرار شركة «ميراماكس» منتجة أفلامه، ورفعت من سقف ميزانيات الانتاجات المستقلة وتوزيعها الواسع. هكذا، اذاً، كل شيء بدأ من عند شاب مهووس كان يعمل مستخدماً في محل لبيع أشرطة الفيديو. حتى أنه كتب الكثير عن هوسه لاحقاً، وفي هذا الكتاب الذي تنشره منشورات «غليبري» في العاصمة البلغارية، صوفيا، ثمة الكثير من الحوارات الساخرة والعدائية التي تجمع مخرج «أقتل بيل»، الفيلم الذي تتداخل أجزاؤه ببعضها البعض، فيبدو أن ثمة خطأ في طريقة عرضها، لولا أن تارانتينو يشيع في ذلك نهجاً مجنوناً وعنيفاً يلسع به مشاهديه. هنا، في هذا الكتاب، تقوم هذه الحوارات التي تعود الى أزمنة ومنشورات عديدة، بنقل تأويلات تارانتينو نفسه للسينما التي يحب، ولماذا كان يفضّل أن يؤدي بعض الأدوار الصغيرة في أفلامه، وبخاصة في أفلام الجريمة التي لا تنتهي، وتشكل متاهة لأصحابها تطبق عليهم واحدا تلو الآخر، ولكن يمكنه أن يخرج منها هو «سالماً» بمقتله على يد شرير آخر. يقع الكتاب في 190 صفحة من القطع الصغير، وقام بتحريره وجمعه فلاديمير تريفونوف، وهو صادر بالأساس عن المنشورات الصحفية لجامعة مسيسيبي.