أوضح القاص والأديب السعودي إبراهيم مضواح الألمعي أن الفنون الأدبية، على اختلافها، ما هي إلا أشكال للتعبير، ولا ينبغي النظر إليها على أنها في مضمار سباق، تتسابق للاستحواذ على مساحة أكبر في مجال التلقي، فالمهم، كما يوضح في حوار مع «الحياة»، أن يستوفي النص الشروط الفنية، وأن يترك أثراً في نفس المتلقي، وأن يُعبر عن ذات المبدع، ويؤدي مغزاه الفكري، والإنساني. وأكد أنه لم يجدد عضويته في «رابطة الأدب الإسلامي» وذلك لكي يكتب برحابة. إبراهيم مضواح الألمعي، ولد في «رجال ألمع» من منطقة عسير، جنوب السعودية عام 1969، يحمل درجة البكالوريوس في الشريعة - جامعة الإمام محمد بن سعود 1993، عمل في التدريس بمختلف مراحل التعليم العام منذ تخرجه، كما عمل مشرفاً للإعلام التربوي ب«تعليم رجال ألمع»، وحاز وسام وزارة التربية والتعليم للمعلم المتميز. فإلى نص الحوار: تحمل عضوية في رابطة الأدب الإسلامي، لكن يبدو أن المؤسسة والفكر أصبحت جزءاً من الماضي، لماذا؟ - الأدب نافذة يطلُّ منها الإنسان بحثاً عن فضاءات أرحب من الواقع، ولذلك فليس من الحكمة - في رأيي المتواضع - أن يقيدَ الإنسانُ نفسَه وقلمَه بقيود إضافية؛ وقد تكرم القائمون على «رابطة الأدب الإسلامي» بإرسال استمارة العضوية إليّ،َ بعد إهدائي إياهم كتابي «روائع الطنطاوي» عام 2002، ولم أجدد العضوية بعد ذلك، لا لشيء، غير أني أحب أن أكتب في الفضاء الرحب، وأحب أن أفتح نوافذي على كل الاتجاهات. أما الرابطة، بوصفها مؤسسة وفكرة، فيبدو لي أن وجودها كان بهدف مواجهة آداب ذات طابع آيديولوجي كانت شائعة في تلك المرحلة وما سبقها، كما أريدَ لها أن تكون سقفاً يشمل آداب البلدان الإسلامية الناطقة بغير العربية، وضمها إلى الأدب العربي، وفي تصوري أنه لا يمكن أن تقوم مدرسة أدبية على هذا النحو الآيديولوجي، إذ إن طبيعة الأدب إنسانية عامة، ثم إن المصطلح نفسه واجه إشكالات ليس سهلاً تجاوزها؛ فهل صفة «الإسلامي» تعود على الأديب؟ أم على الأدب نفسه؟ ومن يحدد معيارية: «هل هذا الأدب إسلامي أم غير إسلامي؟» وما هو الحد المقبول وغير المقبول في هذا الفضاء الأدبي المحدود؟ وماذا إذا كتب أديب غير مسلم نصاً أدبياً يتفق ومنطلقات الأدب الإسلامي، وهذا كثير، فأين نضعه؟ وغير ذلك من الإشكالات التي طال حولها الجدل من دون طائل. لك كتاب عن الكبار عندما كانوا تلامذة، ولك تجربة طويلة في سلك التعليم، هل يعد واقع التعليم مفيداً بوصفه بيئة للوعي بالمواهب الأدبية الناشئة وتشجيعها ودعمها؟ - من خلال قراءاتي المطولة في سِيَرِ الأدباء والمفكرين المعاصرين، لمستُ أن الشرارة الأولى لتوجههم الأدبي أو الثقافي قد قُدحتْ في مرحلة الدراسة، وأن المؤثر الأول هو المعلمُ الموهوب المؤمن برسالته وبمسؤوليته تجاه الطلاب، وكان من الأهداف غير المباشرة لكتابي «عندما كان الكبار تلامذة» التنبيه إلى هذه الناحية، من خلال ما كتبه الأدباء والمثقفون الكبار عن دور أساتذتهم في توجيههم المعرفي والثقافي؛ وإن يكن قد ضعف هذا الجانب اليوم فلا عجب، فالتعليم، كغيره من المؤسسات التربوية، تراجع دوره في التوجيه والتأثير لأسباب عدة، ويبدو لي أن هذا النوع من «المعلمين - الأدباء» قد انحسر كثيراً.. وفاقد الشيء لا يعطيه؛ ومع ذلك فأشهد أنه ما زال في المعلمين نماذج مدهشة، يقدمون ما في وسعهم للطلاب، ولكنهم يواجهون بانصراف الطلاب إلى ما يَجِدُّ من صوارفَ وملهيات؛ فإذا التقى تمكُّنُ المعلِّم ورغبتُه في العطاء وإقبالُ الطالبِ واستعدادُه فانتظر أجملَ الأثر وأطيبَ الثمر! لك أكثر من كتاب عن الشيخ علي الطنطاوي، فإلى أي حد كان علي الطنطاوي أديباً مختلفاً في زمننا المعاصر؟ - الشيخ علي الطنطاوي من بقية جيل عمالقة الأدب؛ الرافعي وطه حسين، والعقاد، والزيات، وكرد علي، وأحمد أمين، ومن حسن حظنا أنه امتد به العمر فأدركه جيلي؛ ومما منحه هذا الامتياز أنه عاش متصالحاً ظاهرُه مع حقيقتِه، فامتاز خطابه الأدبي بالوضوح، وأدبه بالسمو، وتقارب خطابه الإعلامي مع خطابه الأدبي والثقافي، وهذا ما جعله يتجدد ولا يَخْلَق بمضي الزمن، وإني لأجد في الأجيال الجديدة من يؤخذ بأدبه، كما هي الحال في جيلنا والجيل السابق لنا، ومرجعُ ذلك أصالةُ أدبه، وصدقُ عاطفته، وسحرُ بيانه، فيما يوصف ب«السهل الممتنع»، وتلك منزلة قلَّ من يبلغها من الأبيناء، إذ تقاربت كتابته وحديثه، كما أنَّه لم يتلجلج بين الاتجاهات الأدبية والفكرية، ولم ينضوِ تحت راية حزب أو مذهب أو مدرسة، كل ذلك جعل منه أيقونةً ذاتَ سماتٍ تستعصي على النسيان. لا تحظى القصة بشعبية كبيرة، مقارنة بالرواية، على رغم أنها ذات نفس قصير تتلاءم وطبيعة حياة الناس اليوم، وسرعة ما يستهلكون؟ - الفنون الأدبية، على اختلافها، ما هي إلا أشكال للتعبير، ولا ينبغي النظر إليها على أنها في مضمار سباق؛ تتسابق للاستحواذ على مساحة أكبر في مجال التلقي، فالمهم أن يستوفي النص الشروط الفنية، وأن يترك أثراً في نفس المتلقي، وأن يُعبر عن ذات المبدع، ويؤدي مغزاه الفكري، والإنساني؛ ولأسباب موضوعية عدة يزيد تلقي فن على آخر في فترة من الفترات، ولكن يبقى لكل فنٍ جمهوره ومريدوه، وهذا ليس شأن الكاتب، وإنما شأنه أن يُجَوِّد عَمَلَه ويطوِّرَ أدواته، ويجتهد في خدمة فنه، ويستمر في تقديمه للناس. يقال إنك تكتب الرواية بروح القاص، ليس بروح الروائي، بدليل الاختزال في الجمل والطابع الكلاسيكي عموماً فيها، وبخاصة في «جبل حالية»؟ - لا أستبعد ذلك، فقد كتبتُ رواية «جبل حالية» بعد صدور خمس مجموعات قصصية، ثم إني كتبتها عندما عجزت عن معالجة موضوعها قصصياً، ولكن ذلك لم يقلل من تلقي النقاد لها، إذ فازتْ بجائزة عربية مهمة، وحظيتْ بدراسات نقدية عدة، ولَقِيَتْ رضاً من النقاد والقراء على حدٍ سواء، وسُجِلَتْ حولها أكثر من أطروحة أكاديمية. هذا يذكرنا بكلام لك، أنك لجأت إلى الرواية، التي لم تخطر لك ببال من قبل، للتوسع في السرد، هل أغرتك «موضة» الرواية والإقبال عليها أكثر من أي شيء آخر؟ - أسلفت أني لم أكن أنوي كتابة الرواية، ولكن تناول «حالة الموت والحياة»، والتحولات الاجتماعية التي اجتاحت المجتمعات القروية بفعل: «الطفرة، والصحوة، والعولمة»؛ تلك الهواجس، التي لا يمكن معالجتها مجتمعة قصصياً، اضطرتني إلى اقتحام عالم الرواية في وقت كانت الرواية في المشهد الثقافي السعودي تشهد كثافة كمية غير مسبوقة، وهذا لم يكن أمراً مغرياً، بل باعثاً للتوجس، ومخافة أن يضيع عملي الذي أنفقت فيه عامين من العمر في خضم هذا الركام الروائي، ولكن فوز روايتي بالمركز الثاني في جائزة الشارقة من بين خمسٍ وخمسين رواية عربية مهَّد لها الطريق إلى القراء والنقاد في شكل جيد، ولله الحمد، وكذلك منحني هذا الفور الطمأنينة بأنني كتبتُ روايةً جيدة. تعكف على مراجعة كتاب فرغتَ تواً من تأليفه عن الحركة الأدبية في بلدتك (ألمع) خلال نصف قرن، تعيش ألمع هذه الأيام أكثر فتراتها الثقافية والسياحية انتعاشاً وتألقاً؟ - حب الثقافة والأدب والطرب ملمحٌ أصيلٌ في الشخصية الألمعية، ولهذا واكبت النهضة التعليمة في ألمع نهضة أدبية، وهي مزدهرة ثقافياً منذ قرون؛ وهي اليوم أكثر ازدهاراً، وتضمن كتابي «أعلام من ألمع في الثقافة والأدب» رصداً لأهم الأسماء الثقافية خلال هذه الفترة، وما أصدرَ الكُتَّابُ الألمعيون خلال هذه الفترة من: دواوين شعرية أو مجموعات قصصية، أو أعمال روائية، أو غيرها من الكتب الأدبية، والتوثيقية والإعلامية، والتراجم، ونحو ذلك، وترتيبها الزمني، مع التعريف بمؤلفيها، كما تضمن إلماحة إلى أهم المجالس والمنتديات الثقافية في ألمع، والكتاب تحت الطبع، وسيرى النور قريباً، بإذن الله. في معرض الرياض الأخير للكتاب، نشب جدل عن كتاب لأحد مشاهير الشبكات الاجتماعية، وعما إذا كان له الحق في النشر والعرض؟ - قرأت شيئا مما نُشر في هذا الموضوع، وأعتقد أن الذين رفعوا أصواتهم بالاعتراض على اقتحام مشاهير وسائل التواصل غير المؤهلين علمياً للتأليف والنشر أسهموا، من حيث لم يقصدوا، في الدعاية لمؤلفات رديئة، وهذا ما يثير فضول القراء لمعرفة محتوى هذه الإصدارات، وإذا عرفنا أنهم من مشاهير التواصل الاجتماعي عرفنا أن الشهرة مقصودة لذاتها، وهكذا تحققت، سواء أكانت بالمدح أم الذم، فكم هم الذين عرفوا هذه الأسماء عبر هذه الزوبعة وما كانوا يعرفونهم من قبل؟! هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الإصدارات الرديئة تصدر وتُسَّوق في المعرض كل عام، ولم نسمع مثل هذه المطالبة بالفرز من قبل، بل لقد رأيت في أوقات سابقة ما هو أردأ من كتب المشاهير هذه، ولكنها لكتاب مغمورين، فلم يُلتفت إليها؛ ولذلك فإن الصواب في رأيي ترك الأمر للمنظمين والمسؤولين عن إجازة الكتب لدخول المعرض، ولننظر إلى ذلك بوصفه فضاء مشاعاً للجميع، والقارئ الفطن في غنى عن الوصاية.