تفصل شهور قليلة على انطلاق مباريات كأس العالم 2018 والذي تستضيفه روسيا الصيف المقبل، ورغم اهتمام الجمهور العربي عموماً والمصري خصوصاً بمتابعة المونديال الذي ينعقد كل 4 سنوات، إلا أن «كأس العالم هذا العام يأتي مختلفاً، ويصاحبه اهتمام أكبر، إذ تشارك مصر في المونديال بعد انقطاع تواصل نحو 28 عاماً. المصريون ثلث مشاهدي العرب تمثل مصر ثلث نسبة مشاهدة العرب لمباريات مونديال 2018، ومن ثم فهي السوق الرئيس في هذا الصدد. لا سيما أن الجمهور المصري لديه شغف كبير وشوق محموم لتشجيع فريقه الوطني بعد انتظار طويل، ونظراً لاحتكار شبكة «بي إن سبورتس» القطرية لحقوق البث الحصري لمباريات كأس العالم في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، يلجأ قطاع محدود من الجمهور، وهم من ميسوري الحال إلى شراء باقتها نظير اشتراك كي يتسنى لهم مشاهدتها في منازلهم، فيما يلجأ قطاع عريض إلى المقاهي والأماكن العامة، التي توفر ذلك لروادها عرض المباريات نظير مقابل مادي، فالمشاهدة ليست مجانية، بل تتضاعف قيمتها خلال المواسم الكروية. إسرائيل تتقرب للعرب عبر اللعبة الشعبية الأولى في المقابل، أعلنت صفحة «إسرائيل تتكلم العربية» على فايسبوك أن ثمة بشرى سارة لعشاق الرياضة، وأنه للمرة الأولى منذ قيام دولة إسرائيل سيتم بث وقائع مباريات كأس العالم بالصورة والتحليل باللغة العربية، وذلك في الدول القريبة من إسرائيل، ومنها مصر والأردن ولبنان، مجاناً عبر إحدى القنوات الإسرائيلية، التي ستبث معظم مباريات كأس العالم عبر الأقمار الاصطناعية. إذ حصلت على حق بث المباريات من روسيا نظير مبلغ 6.3 مليون يورو، مصحوباً بالتحليل باللغة العربية ويمكن للعرب مشاهدتها عبر قمر «عاموس» الإسرائيلي. ليست تلك هي المرة الأولى التي تحاول خلالها قنوات إسرائيلية بث مباريات كأس العالم للعرب، فقد جرى ذلك في بطولات سابقة بينها مونديال 2010 في جنوب أفريقيا، ومونديال البرازيل 2014، لكن مصحوباً بالتعليق بالعبرية فقط وليس العربية، إلا أن قنوات الجزيرة (بي إن حالياً) تقدمت باعتراض على ذلك. وترى إسرائيل أن هذه المرة مختلفة لأنها تمتلك الأسانيد القانونية التي تسمح لها بالبث على التلفزيون الإسرائيلي باللغة العربية، وفقاً لبيان أصدرته وزارة الاتصالات الإسرائيلية، يؤكد عدم مخالفتها لعقود الفيفا الخاصة بحقوق البث، فإسرائيل تسعى لاستقطاب أكبر قدر من المشاهدين العرب. وتباينت ردود أفعال الجمهور المصري بين الترحيب والرفض، لكن ما من شك أن عدداً كبيراً من المشاهدين ستكون الشاشات الإسرائيلية هي سبيلهم لمتابعة المباريات، ما يطرح التساؤل لماذا لا تقوم «القنوات القطرية» التي تحتكر بث مباريات المونديال بإتاحتها للجمهور العربي أو على الأقل لتلك الدول المشاركة في المونديال، كي لا تكون القنوات الصهيونية ملاذاً للجمهور العربي؟ وحتى انطلاق المونديال، سيظل الجدل مفتوحاً، والبحث عن سبل أخرى متاحاً أو حتى الاستسلام للأمر الواقع في ظل عدم القدرة على شراء حقوق البث. وكشف رئيس المجلس الأعلى للإعلام مكرم محمد أحمد ل «الحياة» أن المجلس يتواصل منذ شهور مع الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» لإثبات حق الدول المشاركة في كأس العالم في بث مبارياته، وثمة حوار مستمر مع «الفيفا»، إذ طالبتنا بتقديم ما يثبت حقنا في بث مباريات منتخب مصر في كأس العالم». وأضاف أحمد «كما تواصلنا مع وزراء الإعلام العرب خصوصاً المشاركين في المونديال لتقديم ما يطلبه الفيفا من إثباتات». ويأمل مكرم تحقيق النتائج المرجوة في غضون فترة قصيرة. وبدوره أكد وزير الشباب والرياضة المصري خالد عبدالعزيز، أن التلفزيون المصري اقترب من التوصل إلى اتفاق نهائي للحصول على حقوق إذاعة مجموعة من مباريات مونديال 2018 بروسيا. منوها بأن ثمة حل قريباً». مصر ليست طرفاً في منافسات السموات المفتوحة وتحدث رئيس مجلس إدارة مدينة الإنتاج الإعلامي أسامة هيكل ل «الحياة»، قائلاً « لسنا طرفاً في نزاع السموات المفتوحة لكونه يتطلب إمكانات مالية كبيرة للغاية لا تتحملها مصر حالياً، لذا لم نتمكن من شراء حقوق البث، وما دمنا لسنا طرفاً في اللعبة، فلن يكون من حقنا فرض قواعدها. والقنوات الإسرائيلية والقطرية متماثلتان بالنسبة إلينا، وكلاهما يمارس دوراً معادياً ضد مصر». لافتاً أن «الشباب صغير السن لا ينظر لتلك التفاصيل فما يعنيه هو مشاهدة المباريات، ومن لا يملك أموالاً، فبالتأكيد سيلجأ إلى تلك القنوات لكونها بلا تكلفة». ولا يرى هيكل أن ذلك يمثل اختراقاً مثلما يتخوف البعض، موضحاً «في عصر السموات المفتوحة يتابع الجمهور كل الأقمار والقنوات بما فيها الإسرائيلية، فيما كان من السهل السيطرة على الإعلام في الماضي، لأنها كانت قنوات أرضية مملوكة للدولة، أما الآن فقد ذابت الحدود السياسية للدول، في ظل سيادة الإعلام غير التقليدي». محاولة صهيونية لاختراق العقل العربي هي محاولة لاختراق العقول العربية عموماً والدول المشاركة في المونديال خصوصاً والدخول إلى منازلهم، لا سيما أن مشاهدة تلك المباريات أصبح مكلفاً ويساوي الانتقال من المنزل، والاضطرار إلى ترتيب المشاهدة عبر حجز أماكن أو دفع أموال إضافية وهو ما يراه الخبير في الشؤون الإسرائيلية أحمد فؤاد أنور، مضيفاً ل «الحياة»: «حينما يحصل المشاهد العربي على تلك المباريات المهمة وهو في منزله وباللغة العربية، فتلك خطوة مغرية تدفع البعض لقبول المغتصب أو المحتل، وتدريجاً قد يتابع باقي البرامج ونشرات الأخبار وتتسلل إليه رؤيتهم في القضايا المختلفة، فيتم تكييف مجتمعنا على تقبل الآخر». وكشف أنور أن إسرائيل تجري مفاوضات مع لاعبين سابقين لتحليل المباريات باللغة العربية، في البداية سيكونون من فلسطين وليسوا من المشاهير أو المصريين، إذ لا يعتقد أن هناك مصرياً سيقبل ذلك. ويرى فؤاد أن ثمة مسؤولية تقع على عاتق المثقفين والمتخصصين عبر التوعية بخطورة تلك الخطوة، لاسيما إذا ما تم البث في أماكن عامة سواء في المقاهي أو النوادي الاجتماعية أو النقابات ومراكز الشباب، فسيصبح الضرر مضاعفاً، معتبراً إياها معركة كبرى لابد من خوضها». وأضاف الخبير في الشأن الإسرائيلي أن الكيان الصهيوني يستهدف إثارة هذا الجدل لبث الفتنة والانقسام بين أفراد المجتمع العربي، فبينهم من سيطالب بالمقاطعة، بينما سيرى آخرون أنه لا ضير من مشاهدته طالما أنه مجاني». ملمحاً إلى أن ذلك من شأنه أن يثير بلبلة في الصف العربي، المنهك بالأساس بفعل التهجير والحروب الأهلية في سورية واليمن والعراق والضغوط الاقتصادية، وعندما يضاف له هذا العامل فهو أمر جاذب ومثير للقلق وينبغي التعامل معه بحنكة وحذر، واعتقد أن الدولة في سبيلها لشراء هذا المباريات تمهيداً لبثها على القنوات الأرضية لكن يبقى البث الفضائي خارج المنافسة».