إذا استثنينا بيانات بعض السياسيين وبرامج الحوار في الفضائيات اللبنانية، فإن صدور القرار الاتهامي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لم يحدث اي تأثير على الشارع اللبناني. ولعل تطابق الاتهام مع التسريبات التي جرى تناولها خلال السنتين الماضيتين في صحف ووسائل اعلام غربية، أبرزها «دير شبيغل» الالمانية و «لو موند» الفرنسية، وراء برودة الاستقبال الشعبي، فالقرار لم يأت بجديد لا يعرفه الناس، لكنه أربك الساحة السياسية اللبنانية، وتحول الى وقود معركة إطالة عمر حكومة نجيب ميقاتي، أو إسقاطها. من مصلحة الاغلبية الجديدة إطالة عمر حكومة ميقاتي، التي ستسعى الى التعامل مع هذه الازمة على طريقة «لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم»، لكن، ليس من الحكمة السياسية ان يقف تيار «المستقبل» ضد هذا الهدف، فالرئيس ميقاتي قادر على فعل تعجز عنه الاغلبية السابقة لو كانت هي من شكّل الحكومة، لهذا من مصلحة المعارضة الجديدة استمرار الحكومة الراهنة، فإسقاطها سيضرب استقرار البلد، ويخرج قضية المحكمة من التداول لوقت قد يطول لسنوات. صحيح ان تجاهل «حزب الله» المحكمة لعبة خطرة على مستقبل لبنان واستقراره، لكن التجاهل خطوة موقتة، فضلاً عن أن استمرار التجاهل لن يعفي الحزب من الاستحقاقات الدولية، او من ثمنها مهما طال الوقت. لا شك في ان وجود «حزب الله» في حكومة يشكل غالبيتها ويسعى للدفاع عنها، واطالة عمرها حتى موعد الانتخابات، خير للبنان وللعدالة من وجوده خارجها، فوجود الحزب في الغالبية سيجعله أكثر ميلاً للسياسة، والتفاوض، وهو في النهاية مدرك ان هذه المحكمة مستعدة لمقايضة رجاله بدوره وسلاحه، وفي ظل الظروف التي تعيشها سورية، سيكون الحزب اكثر ميلاً الى التفاوض، لكن هذا التغير المحتمل في موقفه من المحكمة مرتبط بوجوده في السلطة. الاكيد ان سرعة تحرك القرار الاتهامي ستهدأ خلال الاسابيع المقبلة. فالتصعيد في لبنان لن يجد من يدعمه في هذه الظروف، لهذا فان من مصلحة تيار «المستقبل» التمسك بحكومة نجيب ميقاتي، وتركها تواجه المجتمع الدولي، من دون تصعيد يخلط الاوراق، ويغيّب صورة الدولة، ويفضي الى حال يصعب التعامل معها بالسياسة.