يعيش لبنان سباقاً بين القرار الاتهامي الخاص بالمحكمة الدولية، والبيان الوزاري لحكومة نجيب ميقاتي. صدور الأول قبل إنجاز الثاني ربما يفرض واقعاً سياسياً يصعب معه الخروج بصيغة تمنح الحكومة الجديدة فرصة لإثبات الوجود، والسير في عملية الاصلاح الاقتصادي، والإداري، وتجاوز عرقلة سياسية محتملة توتّر الساحة اللبنانية التي يحكمها الكيد والشك والانتظار والترقب. لكن ثمة من يرى العكس، وأن صدور القرار الاتهامي يسهّل مهمة الحكومة مع بند المحكمة الدولية، ويجعلها تتعامل بوضوح مع هذا الملف الشائك. الأرجح ان الحكومة اللبنانية مع الخيار الأول، فصدور القرار الاتهامي في ظل حكومة لم تنل الثقة سيربكها ويعقّد مهمتها، ويجعلها تنحاز، مجبرة، الى ما تحاول تفاديه من خلال صوغ بيان يقول الكثير عن الإجماع الوطني وعلاقات لبنان والتزاماته الدولية، ومراعاة مبدأ كشف الحقيقة وتحقيق العدالة، وضمان الاستقرار الداخلي والسلم الأهلي اللبناني ووحدة الشعب والأرض، الى غير ذلك، لكنه في المحصلة لن يقدم عبارة مباشرة يمكن فهمها بوضوح، ومن دون تفسيرات وتوقعات. لذلك فإن صدور القرار الاتهامي قبل نيل الثقة يهدد استمرار حكومة ميقاتي، ويحرمها من إثبات بعض شعاراتها وبرامجها، فالوقت ربما يحسم اموراً كثيرة. لا شك في أن صدور القرار الاتهامي قبل أن تنال الحكومة الثقة في مجلس النواب، سيعيد لبنان الى مرحلة الفراغ السياسي، او اكثر. فإصرار رئيس الوزراء على صيغة متوازنة تأخذ في الاعتبار التزامات لبنان الدولية وموجبات الحفاظ على الاستقرار الداخلي، يشير الى ان الرئيس ميقاتي يريد ارضاء شركائه، لكنه لن يمضي في قرار صدامي مع الداخل والخارج. وهو يراهن على الزمن وتغيّر الظروف الإقليمية، وخلق حال من الاستقرار تفضي الى اجماع وطني وإقليمي ودولي، يصعب معه كسر البلد بسهولة. لكن صدور القرار الاتهامي في غضون أيام سيعيق خطة ميقاتي وتوقعاته، وهو سيكون اول المتضررين من تسريع صدور قرار المحكمة الدولية، ناهيك عن ان استقرار لبنان هو الضحية. لهذا فإن تأجيل صدور القرار سيمنح لبنان فرصة تاريخية لتخفيف تبعاته. الأكيد ان السعي الى تأجيل القرار بات مصلحة وطنية لبنانية، وحاجة إقليمية ملحّة.