ارتفعت حرارة المواجهة بين «قوى 14 آذار» وأطراف المعارضة من جهة ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي والأطراف التي تتألف منها حكومته من جهة ثانية أمس، عشية جلسة مناقشة البيان الوزاري للحكومة اليوم والتصويت على الثقة بها في البرلمان والخلاف على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وردّ ميقاتي على مطالبة 14 آذار له بإعلان التزامه القرار الدولي الرقم 1757 (قرار إنشاء المحكمة الدولية) أو الرحيل، باتهام المعارضة ب «التضليل الاستباقي»، غامزاً من قناة سلفه الرئيس سعد الحريري بالقول إن «القاصي والداني يعرف من عمل في وقت من الأوقات على تسوية على حساب دم الشهداء وقضيتهم للتمسك بموقعهم في السلطة»، ومشيراً الى الاتصالات التي جرت نهاية العام الماضي بين سورية والمملكة العربية السعودية ثم الوساطة التركية – القطرية في كانون الثاني (يناير) الماضي. وبدا واضحاً أن إعلان قوى 14 آذار العمل على إسقاط حكومة ميقاتي، التي اعتبرتها حكومة «حزب الله»، ونيتها إطلاق حملة عربية ودولية «للطلب الى الحكومات العربية والمجتمع الدولي عدم التعاون مع هذه الحكومة في حال عدم تنفيذها مندرجات القرار 1757»، أثارت قيادات الأكثرية، لا سيما رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، والرئيس ميقاتي الذي أعلن في بيانه رداً على المعارضة «احترام القرارات الدولية ومنها القراران 1701 و1757 والوفاء للشهداء ومتابعة التعاون مع المحكمة الدولية»، في أول إشارة علنية منه الى القرار المتعلق بالمحكمة منذ تكليفه برئاسة الحكومة. ووصف ميقاتي موقف «14 آذار» بدعوة الدول الى عدم التعاون مع الحكومة بأنه «حال من الاضطراب ونوبات الغضب الشديد لعجزهم عن مواجهة حقيقة خروجهم من السلطة بعمل ديموقراطي بامتياز». وفيما سعى رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط الى خفض حرارة السجال بالدعوة الى خطاب عقلاني من القوى السياسية قاطبة، فإنه أيد دعوة مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني الى إخراج المحكمة الدولية من التداول الداخلي، لكنه اعتبر في المقابل أن «الكلام المتشنج للمعارضة ينتج التوتر». وعاد ميقاتي فأكد عصراً أثناء لقائه مع نقابة الصحافة اللبنانية «التعاون بواقعية مع موضوع المحكمة لكشف الحقيقة وإحقاق العدالة وتأكيد استقرار لبنان في ظل وجود فريق من اللبنانيين يعتبر أن المحكمة تستهدفه». وأوضح أن لبنان «لا يستطيع أن يوقف التزاماته تجاه المحكمة»، وقال إن تمويل لبنان للمحكمة سيدرج ضمن الموازنة الجديدة. واستدعى كلام ميقاتي ردوداً عدة فاعتبرت الأمانة العامة لقوى 14 آذار أن ما قاله غير ما جاء في بيان حكومته الوزاري، ورأت أن كلام الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله «أكثر انسجاماً مع بيان الحكومة من كلام رئيسها حتى بتنا نسأل من هو رئيس حكومة لبنان الفعلي؟». وأصدر «تيار المستقبل» ليلاً بياناً جاء فيه: «لعل الرئيس ميقاتي يشعر بفائض القوة والسلطة هذه الأيام بعد كل خطاب يدلي به السيد حسن نصرالله. ويبدو أن الخطاب الأخير قدم للرئيس ميقاتي سلاحاً مجيداً في كيفية مواجهة المحكمة الدولية والالتفاف على القرار الاتهامي يشبه تلك الأيام المجيدة التي مرت على بيروت واللبنانيين في السابع من أيار المشؤوم». أضاف: «اللبنانيون الذين اختبروا تفوق الرئيس ميقاتي في تبديل الأثواب وإتقان فنون الاختباء وراء شعارات الاعتدال والوسطية لم يفاجأوا بالضربة القاضية التي وجهها الرئيس ميقاتي الى هذه الوسطية وإعلانه الاندماج الكامل في المنطق والأسلوب الذي يتحدث فيه المرشد الأعلى للحكومة الميقاتية». ورد «المستقبل» على ما اعتبره «إيحاء ميقاتي أن الرئيس الحريري كان سباقاً في المساومة على دم الشهداء»، بالقول: «هو الأمر الذي سبقك إليه ولي أمرك السياسي المرشد الأعلى للحكومة الجديدة». واتهم ميقاتي بالانقلاب «على نفسك وتاريخك وبيئتك والجمهور الذي أتى بك الى المجلس النيابي». وأضاف: «أنت تعلم أن الرئيس سعد الحريري قالها بصراحة إنه يريد مؤتمراً للمصالحة والمسامحة ينقذ البلاد من الانقسام... لكن الذي أتى بك الى رئاسة الحكومة يعتبر نفسه أكبر من البلد ومن العالم والعدالة». وفي هذا الوقت كان الرئيس نبيه بري ونائب الأمين العام ل «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم يحملان على المحكمة الدولية في مهرجان خطابي نظم في ضاحية بيروت الجنوبية لمناسبة مرور سنة على وفاة العلاّمة السيد محمد حسين فضل الله، وحضره رئيس كتلة «المستقبل» النيابية رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة الى جانب عدد من النواب والوزراء. وقال بري إن «اللحظة تستدعي من الجميع تنازلات من دون أن يعني تنازلاً عن حق الشعب في معرفة الحقيقة في جرائم الاغتيال وفي الطليعة جريمة اغتيال الرئيس الحريري». لكنه شدد على أن «الخطوات الحكومية اللاحقة لالتزام المحكمة لم تكن قانونية ودستورية، بل كانت سياسية ومن هنا بدأ التسييس». وأضاف: «حذرنا من مسلك التحقيق وطالبنا بمحاسبة شهود الزور»، وأكد «مساندة الحكومة في تعاطيها مع القرار الاتهامي للمحكمة الدولية». وسبق بري في الكلام الشيخ قاسم الذي قال إن المحكمة الخاصة بلبنان «مسار أميركي – إسرائيلي عدواني ومخصصة لإسقاط العدالة والحقيقة وهي مسيّسة واستهدفت سورية والضباط الأربعة وهي تستهدف الآن المقاومة بعد عجز إسرائيل عن القضاء عليها في عدوان عام 2006». وأكد أن «من سطّر التاريخ والحاضر بمقاومته وجهاده لن تعيقه المؤامرة الأميركية الإسرائيلية المسماة محكمة وقد أصبحت وراءنا ولا عودة لها». وليلاً رد المكتب الاعلامي للمدعي العام الدولي دانيال بلمار، على الكلام الأخير للأمين العام ل«حزب الله»، مؤكداً «ان التحقيق يجري وفق اعلى المعايير الدولية»، لافتا الى ان العاملين يتصرفون باستقلالية وحسن نية. وشدد على ان نتائج التحقيق تستند الى ادلة وحقائق. وحض على تقديم المتهمين الى العدالة.