ثمة ظاهرة غريبة وغير مألوفة في بعض الأنظمة التعليمية المتقدمة ومفادها، كما تقول جيسيكا نادو المرشدة التربوية في وزارة التعليم الكيبيكية، «خلافاً لمقولة التلميذ- الضحية، بات أستاذ المدرسة هو من يتلقى العنف على أيدي بعض تلامذتهم ويتقدّم بالشكاوى ضد اعتداءاتهم». وتضيف: «من جراء ذلك، يحصل على إجازة مرضية ويخشى الكشف عن المعتدين أمام إدارة المدرسة والمسؤولين ولجان الأهل، يقيناً منه أن شكواه لا تلقى آذاناً صاغية». تشير سجلات لجنة المعايير والإنصاف والسلامة التابعة لوزارة التربية والتعليم في كيبيك، إلى أن عدد المعلمين الذين وقعوا ضحايا العنف في مدارسهم ارتفع 50 في المئة خلال السنوات العشر الأخيرة. وتفاوتت درجة العنف الموجّه اليهم بين الصفعات والركل واللكمات والتهويل والتخويف والتهديد، وصولاً إلى حدود القتل. ويلفت رئيس اللجنة لو ديفوار إلى أن مهنة التعليم هي الأكثر خطورة في المدارس، مشيراً إلى أن عدد الاعتداءات التي طاولت المعلمين عام 2017 بلغت نحو 530 اعتداء. من جهتها، تلفت مستشارة الصحة والسلامة المهنية كلود بالاردي، إلى أنه «منذ نحو عشرة أعوام، شهدنا زيادة في الإساءات اللفظية الموجهة إلى الأساتذة. أما اليوم، فنرى أنهم يتعرّضون إلى عنف جسدي داخل المدارس وخارجها». ووفقاً لهذه الإحصاءات التربوية، فإن الحالات المبلّغ عنها في المدارس هي غيض من فيض، إذ أن أساتذة كثراً، وخصوصاً أولئك الذين هم في بداية حياتهم المهنية، لا يجرأون على تقديم شكوى، إما خوفاً من استياء الإدارة، أو خشية الاستغناء عن خدماتهم، أو تعرّضهم للمساءلة من قبل مديرية التعليم. وتعقّب بالاردي بالقول «حتى عندما يحاولون التقدّم بشكوى، فإن أشخاصاً مقرّبين من الإدارة سيخبرونهم بأن الأمر ليس ضرورياً، وأن ما يواجهونه أمراً طبيعياً». وتضيف: «ثمة من يقول للمعلم في محاولة لامتصاص غضبه: هدّئ روعك، لا تبالي ولا تقلق، وتناول بعض الأقراص المهدّئة». وقائع ميدانية نشرت جريدة «لو دوفوار» في مونتريال أخيراً تحقيقاً واسعاً تحت عنوان «معلمون كيبيكيون ضحايا العنف في المدارس»، تناول مجمل حالات العنف التي يتعرّض لها المعلمات والمعلمون. ويورد شكوى لأحد المدرّسين في مدرسة ثانوية يقول فيها «في العام الماضي، حاولت إخراج تلميذ من صفي. فوقف على باب الغرفة، واقترب مني واسمعني كلمات نابية وتهديداً بالنيل مني خارج المدرسة». ويضيف التقرير، بعد أن أنهى المعلم درسه، رفع تقريراً بالحادثة إلى إدارة المدرسة التي أبلغته أن «الصبي كان يمزح وليس للواقعة أي خلفيات عدوانية». ولم يقتصر عنف التلامذة على المعلمين فحسب، وإنما على المعلمات اللواتي ينلن نصيباً مماثلاً. فقد رفعت مدرّسة الصف الخامس الابتدائي، نانسي، أكثر من 40 تقريراً بحق تلامذة تناوبوا عليها بالصفع والعض والركل واللكم على أنحاء متفرقة من جسمها. وبعد تكرار شكاواها إلى لجنة المدارس، أرسلت إليها هذه الأخيرة مدرّبة متخصصة في معالجة العنف المدرسي، ما أدّى إلى حلّ المشكلة موقتاً من دون أن تختفي ثقافة العنف لدى التلامذة. وتعقّب نانسي على هذه الحادثة، وتقول: «حاولت تغيير استراتيجية التعامل مع التلامذة ولكن من دون جدوى. وتتابع: «ذهبت في إجازة مرضية لأنني لم أستطع أن أتحمّل مزيداً. إنه أمر محزن حقاً». وفي السياق عينه، كانت المعلّمة جولي، المعيّنة حديثاً، طلبت المساعدة من إدارة المدرسة. وقيل لها أن «ننتظر قليلاً، ومن السابق لأوانه القفز الى الاستنتاجات». وعلى مدى بضعة أسابيع كررت طلب المساعدة، ولكن كان ينظر إليها كمعلّمة فاشلة وغير قادرة على القيام بوظيفتها، أو أنها تبالغ كثيراً. وبعد أن أيقنت أن الإدارة لم تفعل شيئاً، تقدّمت بطلب استقالة من وظيفتها حفاظاً على صحتها وسلامتها البدنية والنفسية. ويكشف المعلّم مايكل لافورج على موقعه الإلكتروني، أن أحد تلامذته خطط لقتله وشكل عصابة من رفاقه. لكن واحداً منهم شعر بالخوف وكشف الأمر لوالده الذي اتصل بالشرطة، ما تسبب بفشل مخطط القتل ونجاة المعلم. واليوم، يدعو لافورج زملاءه المعلمين الذين يتعرّضون للعنف المدرسي لأن يكسروا جدار الصمت، ويجعلوا من مأساتهم قضية رأي عام تُنشر في وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي. بروتوكول تعترف جوزيه سكالا بريني رئيسة اتحاد نقابات المعلمين في كيبيك، بأن عدداً من المعلّمات والمعلمين يتعرضون للاعتداءات الجسدية والمعنوية من قبل تلامذتهم. وتؤكّد أن» المناخ التعليمي في بعض المدارس يتصف بالعدوانية والعنف». وتضيف: «يعلم الجميع أن هناك بروتوكولاً يشجب أعمال العنف التي تقع على التلامذة أو المعلّمين. وكل مدرسة ملزمة قانوناً باحترامه وتطبيقه، ولكنه لا يُستخدم دائماً».